النبي - ﷺ - حيث إن الله تعالى قال في حق آدم عليه السلام: ﴿وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى﴾، وقال في حقه - ﷺ -: ﴿مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ﴾.
﴿مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى (٢)﴾ وأخطأ في اعتقاده؛ لأنَّ الغي اعتقاد شيء فاسد باطل. فعطفه على ﴿مَا ضَلَّ﴾ من عطف الخاصّ على العام، للاهتمام بشأن الخاص. فإنه فرق بين الغي والضلال، بأن الغي هو الخطأ في الاعتقاد خاصة، والضلال أعم منه. لأنه يتناول الخطأ في الأقوال، والأفعال، والأخلاق، والعقائد التي شرعها الله سبحانه، وبينها لعباده.
والمعنى: ما عدل صاحبكم عن طريق الحق في الأقوال، والأفعال، والاعتقاد، وغيرها. وما اعتقد باطلًا قط؛ أي: هو في غاية الهدى والرشد، وليس مما تتوهمونه من الضلال والغواية في شيء أصلًا. وكانوا يقولون: ضل محمد عن دين آبائه، وخرج عن الطريق، وتقوَّل شيئًا من تلقاء نفسه. فرد الله عليهم بنفسه بتنزيل هذه السورة تعظيمًا له.
والخطاب لقريش (١)، وإيراده - ﷺ - بعنوان صاحبيته لهم للإيذان بوقوفهم على تفاصيل أحواله، وإحاطتهم خبرًا ببراءته - ﷺ - مما نفي عنه بالكلية، واتصافه بغاية الهدى والرشاد. فإنَّ طول صحبتهم له، ومثاهدتهم محاسن شؤونه العظيمة مقتضية لذلك حتمًا، كما في "الإرشاد". ويؤيد ما في "الإرشاد": قول الراغب في "المفردات": لا يقال: الصاحب في العرف إلا لمن كثرت ملازمته، وقوله تعالى: ﴿ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا مَا بِصَاحِبِكُمْ مِنْ جِنَّةٍ﴾. سمي النبي - ﷺ - صاحبهم تنبيهًا على أنكم صحبتموه، وجربتموه، وعرفتم ظاهره وباطنه، ولم تجدوا به خبلًا ولا جنة.
وتقييد القسم بوقت الهوى؛ لأنَّ النجم لا يهتدي به الساري عند كونه في وسط السماء، ولا يعلم المشرق من المغرب، ولا الشمال من الجنوب. وإنما يهتدي به عند هبوطه أو صعوده مع ما فيه من كمال المناسبة لما سيحكي من تدلي جبريل من الأفق الأعلى، ودنوه منه عليهما السلام. وقال سعدي المفتي: ثم التقييد بوقت الهوى؛ أي: الغروب لكونه أظهر دلالة على وجود الصانع، وعظيم قدرته،

(١) روح البيان.


الصفحة التالية
Icon