قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ (١٩٤)}.
وقوله: ﴿عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى (٥)﴾ من (١) إضافة الصفة المشبهة إلى فاعلها، مثل؛ حسن الوجه، والموصوف محذوف، كما قدرنا آنفًا؛ أي: علمه ملك شديد قواه؛ أي: شديد قوة الجسم والبدن، وهو جبريل عليه السلام. فإنه الواسطة في إبداء الخوارق. ويكفيك دليلًا على شدة قوته أنه قلع قرى قوم لوط من الماء الأسود الذي تحت الثرى، وحملها على جناحه، ورفعها إلى السماء، حتى سمع أهل السماء نباح الكلاب وصياح الديكة، ثم قلبها، وصاح بثمود صيحة، فأصبحوا جاثمين. وكان هبوطه على الأنبياء عليهم السلام، وصعوده في أسرع من رجعة الطرف.
٦ - ﴿ذُو مِرَّةٍ﴾؛ أي: صاحب حصافة واستحكام في عقله ورأيه، ومتانة في دينه. وقوله: ﴿فَاسْتَوَى﴾ معطوف على قوله: ﴿عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى (٥)﴾، كما أشار إليه القرطبي ونصه. ﴿فَاسْتَوَى﴾؛ أي: ارتفع (٢) جبريل، وعلا إلى مكانه في السماء بعد أن علَّم محمدًا - ﷺ -، قاله سعيد بن المسيب، وابن جبير. وقيل: معنى ﴿فَاسْتَوَى﴾؛ أي: قام، وظهر في صورته التي خلق عليها؛ لأنّه كان يأتي النبي - ﷺ - في صورة الآدميين، كما يأتي إلى الأنبياء. فسأله النبي - ﷺ - أن يريه نفسه التي جبله الله عليها، فأراه نفسه مرتين. مرة في الأرض، ومرة في السماء ليلة المعراج عند سدرة المنتهى.
وذلك أن رسول الله - ﷺ - أحب أن يراه في صورته التي جبل عليها. وكان رسول الله - ﷺ - بجبل حراء. وهو الجبل المسمى بجبل النور في قرب مكة. فقال: إنّ الأرض لا تسعني، ولكن أنظر إلى السماء، فطلع له جبريل من المشرق، فسد الأرض من المغرب، وملأ الأفق، فخر رسول الله - ﷺ -، كما خر موسى في جبل الطور، فنزل جبريل في صورة الآدميين، فضمه إلى نفسه، وجعل يمسح الغبار عن وجهه. ولم يره أحد من الأنبياء على صورته التي خلق عليها إلا نبينا محمد - ﷺ -. وقيل: إن معنى ﴿فَاسْتَوَى﴾؛ أي: استوى القرآن في صدر محمد - ﷺ - حين نزل عليه.
(٢) القرطبي.