وقيل: في الكلام قلب؛ أي: وكان مسافة ما بينهما قدر مسافة ما بين قابي قوس؛ لأن لكل قوس قابين. وهذا كناية عن شدة الاتصال، لأنه ضمه جبريل إلى نفسه حتى سكن عنه الروع. وفي القرطبي: والقاب: ما بين المقبض والسية مخففة الياء. وهي طرف القوس المنحني.
﴿أَوْ أَدْنَى﴾؛ أي: بل كان قدر مسافة ما بينهما أقرب من ذلك؛ أي: من قاب قوسين على تقديركم أيها المخاطبون، كما في قوله: ﴿أَوْ يَزِيدُونَ﴾، فـ ﴿أو﴾ للشك من جهة العباد، كما أن كلمة ﴿لَعَلَّ﴾ كذلك؛ أي: للترجي من العباد في مواضع من القرآن. فإن التشكيك والترجي لا يصحان على الله تعالى؛ أي: لو رآهما راء منكم لقال: هو قدر قوسين في القرب أو أدنى؛ أي لالتبس عليه مقدار القرب.
والمراد؛ أي: من قوله (١): ﴿ثُمَّ دَنَا﴾ إلى قوله: ﴿أَوْ أَدْنَى﴾ تمثيل ملكة الاتصال، وتحقيق استماعه، لما أوحى إليه بنفي البعد الملبس وحمله بعضهم على حقيقته، حيث قال: فكلما دنا جبريل من النبي عليهما السلام انتقص، فلما قرب منه مقدار قوسين رآه على صورته التي كان يراه عليها في سائر الأوقات، حتى لا يشك أنه جبرئيل.
١٠ - ﴿فَأَوْحَى﴾ جبريل، وبلَّغ ﴿إِلَى عَبْدِهِ﴾؛ أي: إلى عبد الله تعالى. وإضماره قبل الذكر لغاية ظهوره، كما في قوله تعالى: ﴿مَا تَرَكَ عَلَى ظَهْرِهَا مِنْ دَابَّةٍ﴾؛ أي: على ظهر الأرض. والمراد بالعبد المشرَّف بالإضافة إلى الله تعالى: هو الرسول محمد - ﷺ -، كما في قوله تعالى: ﴿سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ﴾.
﴿مَا أَوْحَى﴾؛ أي: من الأمور العجيبة التي لا تقي بها العبارة، أو المعنى: فأوحى الله سبحانه حينئذٍ بواسطة جبريل ما أوحى إلى عبده محمد - ﷺ -، وقيل: المعنى: فأوحى الله إلى عبده جبريل ما أوحى. وفي الإبهام تفخيم للوحي الذي أوحى إليه على كل من الأقوال، وقد أبهم سبحانه ما أوحى جبريل إلى محمد، أو ما أوحاه إلى جبريل، فليس لنا أن نتعرض لتفسيره. وقال سعيد بن جبير: الذي أوحى إليه هو ﴿أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ...﴾ إلخ. وقيل: أوحى إليه أن الجنة حرام على