هل رآى محمد - ﷺ - ربّه؟ قال: نعم. وقد روي بإسناد لا بأس به عن شعبة عن قتادة عن أنس قال: رأى محمد ربّه عزّ وجل. وكان الحسن يحلف بالله لقد رأى محمد - ﷺ - ربّه عزّ وجل. والأصل في المسألة حديث ابن عباس حبر هذه الأمة وعالمها، والمرجوع إليه في المعضلات. وقد راجعه ابن عمر في هذه المسألة، وراسله هل رأى محمد - ﷺ - ربه عز وجل؟ فأخبره أنه رآه. ولا يقدح في هذا حديث عائشة؛ لأن عائشة لم تخبر أنها سمعت النبي - ﷺ - يقول: لم أر ربي، وإنما ذكرت ما ذكرت متأولة لقول الله تعالى: ﴿وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْيًا أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا﴾، ولقوله: ﴿لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ﴾. والصحابي إذا قال قولًا، وخالفه غيره منهم لم يكن قوله حجّة. وإذا صحت الروايات عن ابن عباس: أنه تكلم في هذه المسألة بإثبات الرؤية، وجب المصير إلى إثباها، لأنها لسيت مما يدرك بالعقل، ويؤخذ بالظن، وإنما يتلقى بالسمع، ولا يستجيز أحد أن يظن بابن عباس أنه تكلم في هذه المسألة بالظن والاجتهاد.
وقد قال معمر بن راشد حين ذكر اختلاف عائشة وابن عباس: ما عائشة عندنا بأعلم من ابن عباس، ثم إن ابن عباس أثبت ما نفاه غيره، والمثبت مقدم على النافي. هذا كلام صاحب "التحرير" في إثبات الرؤية.
قال الشيخ محيي الدين: فالحاصل أن الراجح عند أكثر العلماء أن رسول الله - ﷺ - رأى ربه عز وجل بعيني رأسه، ليلة الإسراء لحديث ابن عباس وغيره مما تقدم. وإثبات هذا لا يأخذونه إلا بالسماع من رسول الله - ﷺ - هذا مما لا ينبغي أن يتشكك فيه.
ثم إن عائشة لم تنف الرؤية بحديث عن رسول الله - ﷺ -، ولو كان معها حديث لذكرته، وإنما اعتمدت على الاستنباط من الآيات. وسنوضح الجواب، فنقول: أما احتجاج عائشة رضي الله عنها بقوله تعالى: ﴿لَا تُدْرِكُهُ﴾ فجوابه ظاهر، فإن الإدراك هو الإحاطة، والله لا يحاط به، وإذا ورد النص بنفي الإحاطة لا يلزم منه نفي الرؤية بغير إحاطة. وهذا الجواب في نهاية الحسن مع اختصاره. وأما احتجاجها بقوله تعالى: ﴿وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْيًا...﴾ الآية، فالجواب عنه من أوجه: