﴿كَأَنَّهُمْ﴾ لكثرتهم، واختلاط بعضهم ببعض ﴿جَرَادٌ مُنْتَشِرٌ﴾؛ أي: منبث في الأقطار، متفرق فيها، مختلط بعضه ببعض؛ أي: يخرجون من قبورهم ذليلة أبصارهم من هول ما يرون كأنهم في انتشارهم، وسرعة سيرهم إلى موقف الحساب إجابة للداعي جراد قد انتشر في الآفاق.
وجاء (١) تشبيههم في الآية الأخرى بالفراش في قوله: ﴿يَوْمَ يَكُونُ النَّاسُ كَالْفَرَاشِ الْمَبْثُوثِ (٤)﴾. وهم يكونون أوّلًا كالفراش، حين يخرجون فزعين، لا يهتدون أين يتوجهون؛ لأن الفراش لا جهة لها تقصدها، ثم يكونون كالجراد المنتشر إذا توجهوا للحشر. فهما تشبيهان باعتبار وقتين. حكي ذلك عن مكي بن أبي طالب.
٨ - وقوله: ﴿مُهْطِعِينَ إِلَى الدَّاعِ﴾ حال أيضًا من فاعل ﴿يَخْرُجُونَ﴾؛ أي: يخرجون من الأجداث حال كونهم مسرعين إلى جهة الداعي والمنادي. وهو إسرافيل، مادي أعناقهم أو ناظرين إليه، لا يقلعون أبصارهم عنه.
وجملة قوله: ﴿يَقُولُ الْكَافِرُونَ﴾ منهم إما حال من ضمير ﴿مُهْطِعِينَ﴾ أو من فاعل ﴿يَخْرُجُونَ﴾، والرابط مقدر كما قدرناه آنفًا، أو مستأنفة استئنافًا بيانيًّا واقعًا في جواب سؤال مقدر نشأ من وصف اليوم بالأهوال، وأهله بسوء الحال. كأنه قيل: فماذا يكون حينئذٍ؟ فقيل: يقول الكافرون ﴿هَذَا﴾ اليوم ﴿يَوْمٌ عَسِر﴾؛ أي: صعب شديد علينا. فيمكثون بعد الخروج من القبور واقفين أربعين سنة كما روي، يقولون: أرحنا من هذا ولو إلى النار. ثم يؤمرون بالحساب. وفي إسناد القول المذكور إلى الكفار تلويح بأن المؤمنين ليسوا في تلك المرتبة من الشدة، بل ذلك اليوم يوم يسير لهم ببركة إيمانهم، وأعمالهم الصالحة؛ أي: مسرعين إلى الداعي، لا يخالفون، ولا يتأخّرون، ويقولون: هذا يوم شديد الهول سيء المنقلب. ونحو الآية قوله: ﴿فَذَلِكَ يَوْمَئِذٍ يَوْمٌ عَسِيرٌ (٩) عَلَى الْكَافِرِينَ غَيْرُ يَسِيرٍ (١٠)﴾ وفي هذا إيماء إلى أنّه هين على المؤمن، لا عسر فيه، ولا مشقة.