وشدة انصبابها سواء جعلت الباء في قوله: ﴿بِمَاءٍ﴾ للاستعانة وجعل الماء كالآلة لفتح أبواب السماء، وهو ظاهر، أو للملابسة، قرأ الجمهور (١) ﴿فتحنا﴾ مخففًا. وقرأ ابن عامر، ويعقوب بالتشديد.
١٢ - ﴿وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُونًا﴾؛ أي: جعلنا الأرض كلها كأنها عيون منفجرة؛ أي: جارية. وكان ماء الأرض مثل الحميم حرارة. وأصل الكلام. وفجرنا عيون الأرض. فغير عن المفعولية إلى التمييز قضاء لحقّ المقام من المبالغة؛ لأنّ قولنا: فجرنا عيون الأرض يكفي في صحة تفجر ما فيها من العيون، ولا مبالغة فيه، بخلاف فجرنا الأرض عيونًا فإنّ معناه: فجرنا أجزاء الأرض كلها بجعلها عيون الماء. ولا شك في أنه أبلغ. وقرأ الجمهور (٢) ﴿وَفَجَّرْنَا﴾ بتشديد الجيم. وعبد الله، وأصحابه، وأبو حيوة، والمفضل عن عاصم بالتخفيف. قال عبيد بن عمير: أوحى الله إلى الأرض أن تخرج ماءها، فتفجرت بالعيون.
﴿فَالْتَقَى الْمَاءُ﴾؛ أي: ماء السماء، وماء الأرض، وارتفع على أعلى جبل في الأرض ثمانين ذراعًا. والإفراد حيث لم يقل: الماءان لتحقيق أنَّ التقاء الماءين.. لم يكن بطريق المجاورة والتقارب، بل بطريق الالتقاء والاتحاد.
وقرأ الجمهور (٣): ﴿فَالْتَقَى الْمَاءُ﴾. وهو اسم جنس. وقرأ عليّ بن أبي طالب، والحسن، ومحمد بن كعب، والجحدري ﴿الماءان﴾. وقرأ الحسن أيضًا ﴿الماءان﴾. وقال الزمخشري: وقرأ الحسن ﴿ماوان﴾ بقلب الهمزة واوًا، كقوله: علباوان، انتهى. شبه الهمزة الذي هي بدل من هاء في الماء بهمزة الإلحاق في علباء. وعن الحسن أيضًا ﴿المايان﴾ بقلب الهمزة ياء. وفي كلتا القرائتين شذوذ.
حالة كون الماء كائنًا ﴿عَلَى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ﴾؛ أي: على حالة ورتبة قد فصلت في الأزل. وقيل: على مقادير قد رتبت وقت التقائه. فروي: أن ماء الأرض كان على سبعة عشر ذراعًا، ونزل ماء السماء على تكملة أربعين ذراعًا. وقيل: كان ماء الأرض أكثر. وقيل: كانا متساويين نزل من السماء قدر ما خرج من الأرض.

(١) الشوكاني.
(٢) البحر المحيط.
(٣) البحر المحيط.


الصفحة التالية
Icon