ورجح ابن جرير هذا، ومر ما فيه آنفًا.
وقيل: سجوده أفوله، وسجود الشجر تمكينها من الاجتناء لثمارها، وهذه الجملة والتي قبلها خبران آخران لـ ﴿الرَّحْمَنُ (١)﴾، وترك الرابط فيهما لظهوره، كأنه قيل: الشمس والقمر بحسبانه، والنجم والشجر يسجدان له.
ولما ذكر ما به حياة الأرواح من تعليم القرآن.. ذكر ما به حياة الأشباح من النبات الذي له ساق. وكان تقديم النجم، وهو ما لا ساق له؛ لأنّه أصل القوت، والذي له ساق ثمره يتفكه به غالبًا.
٧ - ﴿وَالسَّمَاءَ رَفَعَهَا﴾، أي: خلقها مرفوعة فوق الأرض، حيث جعلها مصدر قضاياه، ومسكن ملائكته الذين ينزلون بالوحي على أنبيائه. ونبه بذلك على عظم شأنه، وملكه. وقرأ الجمهور (١) ﴿وَالسَّمَاءَ﴾ بالنصب على الاشتغال روعي مشاكلة الجملة التي تليه، وهي ﴿يَسْجُدَانِ﴾. وقرأ أبو السمال ﴿وَالسَّمَاءَ﴾ بالرفع، راعى مشاكلة الجملة الابتدائية.
أي: خلقها مرفوعة محلًّا، كما هو محسوس مشاهد، وكذا رتبه، حيث جعلها منشأ أحكامه، وقضاياه، وتنزل أوامره، ومحل ملائكته. وقال بعضهم: رفعها من السفل إلى العلو سقفًا لمصالح العباد، وجعل ما بينهما مسيرة خمس مئة عام. وذلك لأن السماء دخان فار به موج الماء الذي كان تحت الأرض.
﴿وَوَضَعَ﴾ الله سبحانه في الأرض ﴿الْمِيزَانَ﴾؛ أي (٢): شرع العدل وأمر به بأن وفر كل مستحق لما استحقه، ووفى كل ذي حق حقه حتى انتظم به أمر العالم، واستقام. كما قال عليه السلام: "بالعدل قامت السموات والأرض". قيل: فعلى هذا الميزان هو القرآن. وقيل: هو ما يعرف به مقادير الأشياء من ميزان، ومكيال، ونحوهما. فالمعنى: خلق كل ما توزن به الأشياء، ويعرف به مقاديرها موضوعًا مخفوضًا على الأرض، حيث علق به أحكام عباده، وقضاياهم، وما تعبدهم به من التسوية والتعديل في أخذهم وإعطائهم. قال سعدي المفتي: وأنت خبير بأن قوله: ﴿أَلَّا تَطْغَوْا فِي الْمِيزَانِ (٨) وَأَقِيمُوا الْوَزْنَ بِالْقِسْطِ وَلَا تُخْسِرُوا الْمِيزَانَ (٩)﴾ أشد ملاءمة
(٢) روح البيان.