والقمر بحسبان، وأنوع الشجر، وأبدع الثمر، وأعممها في البدو والحضر لمن آمن بي وكفر، وأسقيها حينًا بالمطر، وآونة بالجداول والنهر أفتنكرون ذلك أيها الإنس والجن. وقد جاء ثل هذا في أشعارهم. انظر قول مهلهل يرثي أخاه كليبًا:
عَلَى أنْ لَيْسَ عَدْلًا مِنْ كُلَيْبٍ | إِذَا مَاضِيْمَ جِيْرَانُ الْمُجِيْرِ |
عَلَى أَنْ لَيْسَ عَدْلًا مِنْ كُلَيْبٍ | إِذَا خَرَجَتْ مُخَبَّأَةُ الْخُدُوْرِ |
عَلَى أنْ لَيْسَ عَدْلًا مِنْ كُلَيْبٍ | إِذَا خِيْفَ الْمَخُوْفُ مِنَ الْثُغُوْرِ |
عَلَى أنْ لَيْسَ عَدْلًا مِنْ كُلَيْبٍ | إِذَا مَا خَارَ جَأْشُ الْمُسْتَجِيْرِ |
والمعنى (١): أي فبأي النعم المتقدمة يا معشر الثقلين من الجن والإنس تكذّبان، وتنكران. والمراد من تكذيب آلائه: كفرهم بربهم؛ لأنَّ إشراكهم آلهتهم به تعالى في العبادة دليل عى كفرانهم بها. إِذ من حق النعم أن تشكر. والشكر إنما يكون بعبادة من أسداها إليهم، والتعبير بالرب للإشارة إلى أنها نعم صادرة من المالك المربي لهما الذي ينميهما أجسامًا وعقولًا، فهو الحقيق بالحمد والشكر على ما أولى وأنعم، والعبادة له دون سواه. وقال في "برهان القرآن": تكررت (٢) هذه الآية إحدى وثلاثين مرة، ثمان منها ذكرها عقيب آيات فيها تعداد عجائب خلق الله، وبدائع صنعه، ومبدأ الخلق، ومعادهم، ثم سبع منها عقيب آيات فيها ذكر النار، وشدائدها على عدد أبواب جهنم. وحسن ذكر الآلاء عقيها؛ لأن في خوفها ودفعها نعمًا توازي النعم المذكورة؛ أو لأنها حلت بالأعداء، وذلك يعد من أكبر النعماء. وبعد هذه السبع ثمان في وصف الجنات وأهلها على عدد أبواب الجنة، وثمان أخرى بعدها للجنتين اللتين دونهما. فمن اعتقد الثاني الأولى، وعمل بموجبها استحق كلتا الثمانيتين من الله تعالى، ووقاه الله تعالى السبع السابقة.
يقول الفقير: من لطائف أسرار هذا المقام: أن لفظ أل في أول اسم الرحمن المعنون به هذه السورة الجليلة دل على تلك الإحدى والثلاثين، انتهى. قال
(١) المراغي.
(٢) روح البيان.
(٢) روح البيان.