فالجان من أنواع من اللهب مختلطات. ولقد اظهر الكشف الحديث أنَّ الضوء مركب من ألوان سبعة، ولفظ ﴿المارج﴾ يشير إلى ذلك، وإلى أن اللهب مضطرب دائمًا.
١٦ - ﴿فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (١٦)﴾ أيها الثقلان أَمِمَّا أفاض عليكما في تضاعيف خلقكما من سوابغ النعم حتى صيركما أفضل المركبات، وخلاصة الكائنات، أم من غيره تكذبان، فإنه أنعم عليكما في تضاعيف خلقكما من ذلك بنعم لا تحصى.
١٧ - ﴿رَبُّ الْمَشْرِقَيْنِ وَرَبُّ الْمَغْرِبَيْنِ (١٧)﴾ قرأ الجمهور (١) ﴿رَبُّ﴾ بالرفع على أنه خبر مبتدأ محذوف؛ أي: الذي فعل ما ذكر من الأفاعيل البديعة رب مشرقي الصيف والشتاء، ومغربيهما، ومن قضيته ان يكون رب ما بينهما من الموجودات قاطبة. يعني: أن ذكر غاية ارتفاعهما، وغاية انحطاطهما إشارة إلى أن الطرفين يتناولان ما بينهما، كما إذا قلت في وصف ملك عظيم الملك: له المشرق والمغرب، فإنه يفهم منه أن له ما بينهما أيضًا. وقيل: مبتدأ، خبره ﴿مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ﴾، وما بينهما اعتراض. والأول أولى. وقرأ أبو حيوة، وابن أبي عبلة بالخفض بدلًا من ﴿رَبِّكُمَا﴾. قال في "كشف الأسرار": أحد المشرقين هو الذي تطلع منه الثمس في أطول يوم من السنة، والثاني الذي تطلع منه في أقصر يوم، وبينهما مئة وثمانون مشرقًا، وكذا الكلام في المغربين. وقيل: أحد المشرقين للشمس، والثاني للقمر.
فإن قلت (٢): لِمَ كرر ذكر الرب هنا دون سورتي المعارج والمزمل؟
قلت: كرره هنا تأكيدًا. وخص ما هنا بالتأكيد لأنه موضع الامتنان، وتعديد النعم، ولأن الخطاب فيه من جنسين، هما الإنس والجن، بخلاف ذينك.
والمعنى (٣): أي هو سبحانه رب مشرقي الصيف والشتاء، ومغربيهما اللذين يترتب عليهما تقلب الفصول الأربعة، وتقلب الهواء، وتنوعه، وما يلي ذلك من الأمطار، والشجر، والنبات، والأنهار الجاريات،
١٨ - فبأي نعمة من هذه النعم تكذبان أيها الثقلان، أفتنكران الأمطار وفوائدها؟ أم تكران ما لاختلاف الفصول من منافع

(١) البحر المحيط.
(٢) متشابه القرآن.
(٣) المراغي.


الصفحة التالية
Icon