والمعنى (١): أي أرسل سبحانه البحر الملح، والبحر العذب متجاورين متلاقيين، لا يبغي أحدهما على الآخر، فلا الملح يطغى على العذب فيجعله ملحًا، ولا العذب يجعل البحر الملح مثله. فقد حجر بينهما ربهما بحاجز من قدرته، أو بحاجز من الأجرام الأرضية، فترى نهر النيل بمصر يخرج من جبال الحبشة، ويجري شمالًا، حتى يصب في البحر الأبيض التوسط، ولا يبغي أحدهما على الآخر.
٢١ - ﴿فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (٢١)﴾؛ أي: فبأيّ هذه المنافع تكذبان إذ لو بغى الملح على العذب لم نجد ماء للشرب، ولا لسقي الحيوان والنبات، ولم نجد ما نقتات به، فنهلك جوعًا. ولو بغى العذب على الملح.. لم نجد ما يصلح الهواء ويمنع عاديات الجراثيم التي فيه. وليس من البحرين شيء يقبل الكذيب لما فيه من الفوائد والعبر، هذا وهما جمادان لا نطق لهما، ولا إدراك، فكيف يبغي بعضكم على بعض أيها العقلاء!.
وقال الخطيب: ومعنى ﴿لَا يَبْغِيَانِ﴾؛ أي: لا يتجاوز كل واحد منهما ما حده له خالقه، لا في الظاهر ولا في الباطن، حتى إن العذب الداخل في الملح باق على حاله لم يمتزج بالملح. فمتى حفرت في جنب الملح في بعض الأماكن.. وجدت الماء العذب. قال البقاعي: بل كلما قربت الحفرة من الملح كان الماء الخارج منها أحلى. فخلطهما الله تعالى في رأي العين، وحجز بينهما في غيب القدرة، اهـ.
٢٢ - ﴿يَخْرُجُ مِنْهُمَا﴾؛ أي: من البحرين ﴿اللُّؤْلُؤُ﴾؛ أي: الدر المخلوق في الأصداف. ﴿وَالْمَرْجَانُ﴾؛ أي: الخرز الأحمر المشهور. وقيل: اللؤلؤ كبار الدر، والمرجان صغاره.
واعلم (٢): أنه إن أريد بالبحرين هنا بحر فارس، وبحر الروم، فلا حاجة في قوله: ﴿مِنْهُمَا﴾ إلى التأويل. إذ اللؤلؤ والمرجان بمعنييه يخرجان منهما. لأن كلا منهما ملح، ولا عذب في البحار السبعة إلا على قول من قال في الآية: يخرج من
(٢) روح البيان.