البحر كالأعلام. وهي الجبال. ولا يبعد أن يكون معنى ﴿الْمُنْشَآتُ﴾؛ أي: المرفوعات على الماء، فتكون جارية على ما هي له. وقرأ الأعمش، وحمزة، وزيد بن عليّ، وطلحة، وأبو بكر بخلاف عنه بكسر الشين؛ أي: الرافعات الشراع، أو اللاتي ينشئن الأمواج بجريهن، أو التي تنىء السفر إقبالًا وإدبارًا، وشدد الشين ابن أبي عبلة، وقرأ الحسن ﴿المنشأة﴾ وحَّد الصفة، ودل على الجمع الموصوف، كقوله: أزواج مطهرة، وقلب الهمزة ألفًا.
والمعنى: وله الجواري المنشئات؛ أي: المصنوعات ﴿فِي الْبَحْر﴾ حالة كونها ﴿كَالْأَعْلَامِ﴾ جمع علم. وهو الجبل الطويل؛ أي: كالجبال الشاهقة عظمًا وارتفاعًا، وهو حال من ضمير ﴿الْمُنْشَآتُ﴾. والسفن في البحر كالجبال في البر، كما أن الإبل في البر كالسفن في البحر.
والمعنى: أي وله تعالى السفن الكبار التي رفعت شرعها في الهواء كالجبال الشاهقة تجري في البحر بما ينفع الناس، فتنقل المتاجر من بلد إلى آخر، والأقوات من إقليم هي كثيرة فيه إلى آخر هو محروم منها. وبذا يتم تبادل السلع، وسد حاجات الأمم في أقواتها ومشاربها.
٢٥ - ﴿فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (٢٥)﴾ أي: (١) فبأيّ هذه النعم تكذّبان أبخلق مواد السفن، أم بكيفية تركيبها، أم بإجرائها في البحر يابسات بأسباب لا يقدر عليها غيره سبحانه لقطع المسافات الكثيرة في الأوقات القليلة.
أي: عبادي هل ظننتم أن مجرد الإيمان كاف لكم في شكر هذه النعم؟ فهل خلقت الشمس والقمر، والنجم، والشجر، والزرع، والحب، والأنهار، والبحار، والدر، والمرجان لقوم لا يعقلون أم خلقتها لقوم يقبلون مني النعمة، وكيف يقبلونها دون أن يعرفوها.
٢٦ - ﴿كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا﴾؛ أي: على الأرض من الحيوانات والمركبات. فعبر (٢) بمن تغليبًا للعقلاء أو من الإنس والجن. والضمير عائد على الأرض في قوله: ﴿وَالْأَرْضَ وَضَعَهَا لِلْأَنَامِ (١٠)﴾ وإن بعد. ﴿فَانٍ﴾؛ أي: هالك لا محالة. والفناء عبارة عن

(١) المراغي.
(٢) روح البيان.


الصفحة التالية
Icon