والخلاصة: أنّ في الفناء نعمتين: نعمة الرحعة بتعاقب الأجيال، ونعمة الخروج من سجن المادة إلى فسيح العالم الروحيّ، وإلى التمتع بنعيم آخر بعد الموت.
٢٩ - ولما كان ما ذكر يتضمن الافتقار المتجدد إليه تعالى أوضحه بقوله: ﴿يَسْأَلُهُ﴾ سبحانه وتعالى ﴿مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ﴾ قاطبة من ملك وإنس وجن ما يحتاجون إليه من ذواتهم ووجوداتهم حدوثًا وبقاءً، وسائر أحوالهم سؤالًا مستمرًا بلسان المقال أو بلسان لحال، فلا يستغني أحد عنهم عنه تعالى. فإنهم من حيث حقائقهم الممكنة بمعزل عن استحقاق الوجود، وما يتفرع عليه من الكمالات بالمرة، بحيث لو انقطع ما بينهم وبين العناية الإلهية من العلائق.. لم يشموا رائحة الوجود أصلًا، فهم في كل آنٍ مستمرون على الاستدعاء والسؤال.
قال ابن عباس رضي الله عنه: فأهل السماء يسألونه لأهل الأرض المغفرة، وأهل الأرض يسألونه الرزق والمغفرة، وقيل: كل أحد يسأله الرحمة، وما يحتاج إليه في دينه أو دنياه، وفيه إشارة إلى كمال قدرته تعالى، وأن كل مخلوق وإن جل وعظم، فهو عاجز عن تحصيل ما يحتاج إليه، مفتقر إلى الله تعالى.
والحاصل: أنه يسأله كل مخلوق من مخلوقاته بلسان المقال، أو بلسان الحال ما يطلبونه من خيري الدنيا والآخرة أو من خيري إحداهما.
﴿كُلَّ يَوْمٍ﴾؛ أي: كل وقت من الأوقات (١). وهو اليوم الإلهي الذي هو الآن الغير المنقسم. ﴿هُوَ﴾ سبحانه وتعالى ﴿فِي شَأْنٍ﴾ من الشؤون، وأمر من الأمور التي من جملتها إعطاء ما سألوا. فإنه تعالى لا يزال ينشىء أشخاصًا، ويفني آخرين، ويأتي بأحوال، ويذهب بأحوال من الغنى، والفقر، والعزة، والذلة، والنصب، والعزل، والصحة، والمرض، ونحو ذلك حسبما تقتضيه مشيئته المبنية على الحكم والمصالح البالغة. وانتصاب ﴿كُلَّ﴾ بالاستقرار الذي تضمنه الخبر، والتقدير: استقر سبحانه في شأن كل وقت من الأوقات.
روى البغوي بإسناد الثعلبي عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: إن مما خلق