وأوان.
﴿كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ﴾ فمن شؤونه أنه يحيى ويميت، يخلق ويرزق، يعز ويذل، يمرض ويشفي، يعطي ويمنع، يغفر ويعاقب، يرحم ويغضب إلى نحو أولئك. ومن شؤونه إعطاء أهل السموات والأرض ما يطلبون منه على اختلاف حاجاتهم، وتباين أغراضهم.
٣٠ - ﴿فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (٣٠)﴾ مع مشاهدتكم لما ذكر من إحسانه، أي: فبأيّ هذه النعم تكذّبان. فكم من سؤال أجبته، وكم من جديد أحدثته، وكم من ضعيف في الحياة أرحته، إما بصحة تسعده، أو بموت من سجن المادة يخرجه.
٣١ - ولما ذكر تعالى ما أنعم به من تعليم العلم، وخلق الإنسان والسماء والأرض، وما أودع فيهما، وفناء ما على الأرض ذكر ما يتعلق بأحوال الآخرة، والجزاء. فقال: ﴿سَنَفْرُغُ لَكُمْ﴾؛ أي (١): سنتجرد لحسابكم وجزائكم يوم القيامة عند انتهاء شؤون الخلق المشار إليها بقوله تعالى: ﴿كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ﴾. فلا يبقى حينئذٍ إلا شأن واحد. وهو الجزاء. فعبر عنه بالفراغ لهم على المجاز المرسل. فإن الفراغ يلزمه التجرد، وإلا فليس المراد الفراغ من الشغل؛ لأنه تعالى لا يشغله شأن عن شأن. وقيل: هو مستعار من قول المهدد لصاجه سأفرغ لك؛ أي: سأتجرد للإيقاع بك من كل ما يشغلني عنه. والمراد: التهيؤ للنكاية فيه، والانتقام منه، وعلى هذا فالخطاب للمجرمين منهما، بخلافه على الأول.
وقرأ الجمهور (٢): ﴿سَنَفْرُغُ﴾ بنون العظمة، وضمّ الراء، من فرغ بفتح الراء. وهي لغة الحجاز. وقرأ حمزة، والكسائي، وأبو حيوة، وزيد بن عليّ بالتحتية مفتوحة مع ضمّ الراء؛ أي: ﴿سيفرُغ﴾ الله تعالى لكم. وقرأ قتادة، والأعرج بالنون وفتح الراء، مضارع فرغ بكسرها. وهي لغة تميمية، وقرأ عيسى الثقفي، وأبو السمال بكسر النون وفتح الراء، قال أبو حاتم: وهي سفلى مضر. وقرأ الأعمش، وأبو حيوة بخلاف عنهما، وابن أبي عبلة، والزعفراني وإبراهيم بضم الياء وفتح الراء مبنيًا للمفعول. وقرأ عيسى أيضًا بفتح النون وكسر الراء، والأعرج أيضًا بفتح الياء، وفتح الراء، وهي رواية يونس، والجعفي وعبد الوارث عن أبي عمرو.

(١) روح البيان.
(٢) البحر المحيط.


الصفحة التالية
Icon