﴿أَيُّهَ الثَّقَلَانِ﴾؛ أي: أيها الإنس والجن. سميا (١) بذلك لأنهما ثقلا الأرض. يعني: أنهما شبها بثقل الدابة. وفي حواشى ابن الشيخ: شبه الأرض بالحمولة التي تحمل الأثقال، والإنس والجن جعلا أثقالًا محمولة عليها، وجعل ما سواهما كالعلاوة، أو لرزانة آرائهما، أو لأنهما مثقلان بالتكليف أو لعظم قدرهما في الأرض. كما في الحديث: "إني خلفت فيكم الثقلين: كتاب الله، وعترتي". وقال جعفر الصادق: سميا ثقلين؛ لأنهما يثقلان بالذنوب، أو لما فيهما من الثقل. وهو عين تأخرهما بالوجود؛ لأنَّ من عادة الثقيل الإبطاء، كما أن من عادة الخفيف الإسراع، والإنس أثقل من الجن، للركن الأغلب عليهم أو لثقل الإنس، وسمي الجن ثقلًا لمجاورة الأنس.
وجمع في قوله (٢): ﴿لَكُمْ﴾، ثم قال: ﴿أَيُّهَ الثَّقَلَانِ﴾؛ لأنهما فريقان. وكل فريق جمع. وقرأ الجمهور ﴿أَيُّهَ الثَّقَلَانِ﴾ بفتح الهاء. وقرأ أهل الشام بضمها.
٣٢ - ﴿فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ﴾ التي من جملتها التنبيه على ما سيلقونه يوم القيامة للتحذير عما يؤدي إلى سوء الحساب ﴿تُكَذِّبَانِ﴾ بأقوالكما، وأفعالكما. قال في "كشف الأسرار": اعلم: أن بعض هذه السورة ذكر فيه الشدائد والعذاب والنار، والنعمة فيها من وجهين:
أحدهما: في صرفه عن المؤمنين إلى الكفار. وتلك نعمة عظيمة تقتضي شكرًا عظيمًا.
والثاني: أن في التخويف منها، والتنبيه عليها نعمة عظيمة. لأن اجتهاد الإنسان رهبة مما يؤلمه أكثر من اجتهاده رغبة فيما ينعمه.
والمعنى (٣): أي سنقصد لحسابكم، ومجازاتكم على أعمالكم، وهذا وعيد شديد، وتهديد من الله لعباده. كما يقول القائل لمن يهدده: إذًا أتفرغ لك؛ أي: أقصد قصدك، والفراغ هنا بحعنى القصد للشيء، لا بمعنى الفراغ منه؛ إذ معنى الفراغ من الشيء بذل الحجهود فيه. وهذا لا يقال في حقه تعالى، هذا وإن شأن
(٢) الشوكاني.
(٣) المراغي.