الجن والإنس.
والخلاصة (١): أي إن قدرتم أن تخرجوا من جوانب السموات والأرض هاربين من عقاب الله، فارين من عذابه فافعلوا، والمراد أنكم لا تسطيعون ذلك. فهو محيط بكم لا تقدرون على الخلاص منه، فأينما ذهبتم أحيط بكم. ثم بين السبب في عدم إمكان الهرب، فقال: ﴿لَا تَنْفُذُونَ إِلَّا بِسُلْطَانٍ﴾؛ أي: إنّ المهرب إنما يكون بالقوة والقهر، وأنى لكم بهما، وممن تستمدونهما، وأنتم لا تجدون إذ ذاك حولًا ولا طولًا. فبأيّ نعم ربكما التي من جملتها التحذير، والتهديد تكذّبان مع أن من حذركم، وأنذركم قادر على الإيقاع بكم دون مهلة، والعفو عن المذنب مع كمال القدرة عليه من أجل النعم التي يسديها الله تعالى إلى عباده.
٣٥ - ثم بين السبب في طلب المهرب فقال: ﴿يُرْسَلُ عَلَيْكُمَا﴾ أيها الثقلان ﴿شُوَاظٌ﴾؛ أي: لهب خالص لا دخان فيه. وقيل: هو اللهب الأخضر المنقطع من النار ﴿مِنْ نَارٍ﴾ صفة لشواظ ﴿وَنُحَاسٌ﴾؛ أي: دخان لا لهب معه أو صفر مذاب يصب على رؤوسهم، يسوقانكما إلى المحشر. ﴿فَلَا تَنْتَصِرَانِ﴾؛ أي: لا تمتنعان من ذلك العذاب؛ أي: لا تقدران على الامتناع من عذاب الله تعالى.
والمعنى: أي يُصب عليكما ألوان من النيران، فمن لهب خالص يضيء كضوء السراج إلى نار مختلطة بالدخان، فلا تستطيعان المهرب منها، بل يسوقكم إلى المحشر سوقا.
وقرأ الجمهور (٢): ﴿يُرْسَلُ﴾ بالتحتية، مبنيًا للمفعول. وقرأ زيد بن عليّ ﴿نُرْسل﴾ بالنون مبنيًا للفاعل، ﴿عَلَيْكُمَا شُواظًا﴾ بالنصب من نار، و ﴿نحاسا﴾ بالنصب عطفًا على ﴿شواظًا﴾. وقرأ الجمهور ﴿شُوَاظٌ﴾ بضم الشين. وقرأ عيسى، وابن كثير وشبل بكسرها. وقرأ الجمهور ﴿وَنُحَاسٌ﴾ بالرفع عطفًا على شواظ، وقرأ ابن أبي إسحاق، والنخعيّ، وابن كثير، وأبو عمرو بالجر عطفًا على نار. وقرأ الكلبي، وطلحة، ومجاهد بكسر نون نحاس والسين. وقرأ ابن جبير ﴿ونحس﴾ كما تقول: يوم نحس. وقرأ عبد الرحمن بن أبي بكرة، وابن أبي إسحاق أيضًا
(٢) البحر المحيط.