التهديد والتخويف من حسن العاقبة بالإقبال على الخير، والإعراض عن الشر. وقرأ عبيد بن عمير ﴿وَرْدَةً﴾ بالرفع بمعنى: فحصلت سماء وردة. وهو من الكلام الذي يسمى بالتجريد.
٣٩ - ﴿فَيَوْمَئِذٍ﴾؛ أي (١): يوم إذا انشقت السماء حسب ما ذكر ﴿لَا يُسْأَلُ عَنْ ذَنْبِهِ إِنْسٌ وَلَا جَانٌّ﴾ لأنهم يعرفون بسيماهم، فلا يحتاج في تمييز المذنب عن غيره إلى أن يسأل عن ذنبه إن أراد أحد أن يطلع على أحوال أهل المحشر، وذلك أول ما يخرجون من القبور، ويحشرون إلى الموقف فوجًا فوجًا على اختلاف مراتبهم. وأما قوله: ﴿فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (٩٢)﴾ ونحوه في موقف المناقشة والحساب. وعن ابن عباس رضي الله عنهما: لا يسألهم هل عملتم كذا، وكذا. فإنه أعلم بذلك منهم، ولكن يسألهم لم عملتم كذا، وكذا، وعنه أيضًا: لا يسألون سؤال شفاء وراحة، وإنما يسألون سؤال تقريع وتوبيخ. وضمير ﴿ذَنْبِهِ﴾ للإنس لتقدمه رتبةً. وإفراده لما أن المراد فرد من الإنس. كأنه قيل: لا يسأل عن ذنبه إنسي ولا جني. وأراد بالجان: الجن، كما يقال: تميم، ويراد ولده.
والمعنى (٢): فيوم إذ انشقت السماء لا يسأل أحد من الإنس، ولا من الجن عن ذنبه. لأنهم يعرفون عند خروجهم من قبورهم. ونحو الآية قوله: ﴿وَلَا يُسْأَلُ عَنْ ذُنُوبِهِمُ الْمُجْرِمُونَ﴾. والجمع بين هذه الآية، وبين نحو قوله: ﴿فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (٩٢)﴾ أنَّ ما هنا يكون في موقف، والسؤال يكون في موقف آخر. لأن لأن مواقف القيامة مختلفة الأحوال والأهوال. وقرأ الحسن (٣)، وعمرو بن عبيد ﴿ولا جأن﴾ بالهمز فرارًا من التقاء الساكنين، وإن كان التقاؤهما على حده.
٤٠ - ﴿فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (٤٠)﴾؛ أي: فبأيّ هذه النعم تكذّبان؛ فإن تخويف المجرم نعمة عليه، حتى يرتدع عن ذنبه، ويثوب إلى رشده، ويثوب إلى ربه.
٤١ - وجملة قوله: ﴿يُعْرَفُ الْمُجْرِمُونَ بِسِيمَاهُمْ﴾ مستأنفة، مسوقة لتعليل عدم السؤال. والسيماء: العلامة، كما سيأتي؛ أي: يعرف المشركون يومئذٍ بعلاقاتهم، وهي سواد

(١) روح البيان.
(٢) الشوكاني.
(٣) البحر المحيط.


الصفحة التالية
Icon