الوجوه، وزرقة العيون، وقيل: بما يعلوهم من الكآبة والحزن، كما يعرف الصالحون بأضداد ذلك، وقرأ حماد بن أبي سليمان ﴿بسيمائهم﴾ بالمد، والجمهور ﴿بِسِيمَاهُمْ﴾ بالقصر.
﴿فَيُؤْخَذُ بِالنَّوَاصِي﴾ جمع ناصية (١). وهي مقدم الرأس، والمراد هنا: شعرها، والجار والمجرور هو القائم مقام الفاعل. ﴿وَالْأَقْدَامِ﴾ جمع قدم. يقال: أخذه إذا كان المأخوذ مقصودًا بالأخذ، ومنه: قوله تعالي: ﴿خُذُوا حِذْرَكُمْ﴾، ونحوه. وأخذ به إذا كان المأخوذ شيئًا من ملابسات المقصود بالأخذ. ومنه: قوله تعالى: ﴿لَا تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَلَا بِرَأْسِي﴾، وقول المستغيث: خذ بيدي أخذ الله بيدك.
والمعنى: تأخذ الملائكة بنواصيهم؛ أي: بشعور مقدم رؤوسهم، وأقدامهم، فيقذفونهم في النار، أو تسحبهم الملائكة إلى النار تارةً تأخذ بالنواصي، وتجرهم على وجوههم، أو يجمع بين نواصيهم وأقدامهم في سلسلة من وراء ظهورهم.
٤٢ - ﴿فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (٤٢)﴾ من المواعظ والزواجر، فإن من جملتها هذا الترهيب الشديد، والوعيد البالغ الذي ترجف له القلوب، وتضطرب لهوله الأحشاء.
والمعنى (٢): أي يعرف المجرمون حينئذٍ بعلامات يمتازون بها عن سواهم، فلا حاجة حينئذٍ إلى السؤال والجواب؛ لأنَّ السيما ميزت كل مجرم بنوع جرمه، ولقد اهتدى الإنسان بعقله إلى فوائد هذه العلامات في الدنيا، فأنشأت الحكومات إدرات خاصة لعلامات المشتبه في سلوكهم، ومعتادي الإجرام فتأخذ إبهاماتهم، وتحفظها في أضابير خاصة بهم. ولكل امرىء خطوط في إبهامه، لا تشابه خطوط غيره فيه، ولا يحصل فيها التباس، فمتى أحدث أحدهم حدثًا، وجاء بجرم روجع ملفه الخاص، واستخرجت صورة إبهامه من ملفه، وطبقت على الصورة الخارجية، ولاقى في المحاكم ما يستحقه من عقاب.
والخلاصة: أنّ لكل امرىء أحوالًا تخصه في جسمه، وعقله، وأخلاقه. يعرف الناس منها الآن قليلًا، وبقية علمها عند الله تعالى، يعلمها ملائكته يوم القيامة، فيعرفون المجرمين بها.

(١) روح البيان.
(٢) المراغي.


الصفحة التالية
Icon