وقرأ الجمهور (١): ﴿على فُرُش﴾ بضمتين. وأبو حيوة بسكون الراء. وقرأ ورش عن نافع، ورويس عن يعقوب ﴿من استبرق﴾ بحذف الألف وكسر النون لإلقاء حركة الهمزة عليها. والباقون بإسكان النون وكسر الألف وقطعها.
وإنما ذكر الإتكاء (٢)؛ لأنه هيئة تدل على صحة الجسم، وفراغ القلب. إذ العليل لا يستطيع أن يستلقي أو يستند إلى شيء وهو مشغول القلب يتحرك تحرك المحضر للعقاب.
﴿وَجَنَى الْجَنَّتَيْنِ دَانٍ﴾؛ أي: وثمرهما قريب منهم متى شاؤوا. فهي لا تمتنع ممن أرادها، بل تنحط إليه من أغصانها. ومثل الآية قوله: ﴿قُطُوفُهَا دَانِيَةٌ (٢٣)﴾، وقوله: ﴿وَدَانِيَةً عَلَيْهِمْ ظِلَالُهَا وَذُلِّلَتْ قُطُوفُهَا تَذْلِيلًا (١٤)﴾. وجنى (٣) بفتح الجيم اسم بمعنى المجني كالقبض بمعنى المقبوض. كما قال عليّ رضي الله عنه:

هَذَا جَنَايَ وَخِيَارُهُ فِيْهِ وَكُلُّ جَانٍ يَدُهُ إِلَى فِيْهِ
ودان من الدنو. وهو القرب. أصله: دانوا، مثل: غازوا، أي: ما يجتنى من أشجارها من الخمار، قربب يناله القائم والقاعد والمضطجع. قال ابن عباس رضي الله عنه: تدنو الشجرة حتى يجتنيها ولي الله إن شاء قائمًا، وإن شاء قاعدًا، وإن شاء مضطجعًا. وقال قتادة: لا يرد يده بُعْدٌ ولا شوك.
وقرأ الجمهور (٤): ﴿جَنَى﴾ بفتح الجيم. وقرأ عيسى بن عمر بكسرها. وقرأ عيسى أيضًا بكسر النون مع فتح الجيم، كأنه أمال النون، وإن كانت الألف قد حذفت في اللفظ، كما أمال أبو عمرو ﴿حتى نرى الله﴾. يقول الفقير: إنَّ البعد إنما ينشأ من كثافة الجسم، ولا كثافة في الجنة، وأهلها أجسام لطيفة نورانية في صورة الأرواح. وأيضًا إن الطاعات في الدنيا كانت في مشيئة المطيع، فثمراتها أيضًا في الجنة تكون كذلك. فيتناولها بلا مشقة، بل لا تناول أصلًا فإن سهولة التناول تصوير لسهولة الأكل، فتلك الثمار تقع في الفم بلا أخذ على ما قاله البعض.
(١) البحر المحيط.
(٢) المراغي.
(٣) روح البيان.
(٤) البحر المحيط.


الصفحة التالية
Icon