٣ - ثم هول شأنها، وعظم أمرها. فقال: ﴿خَافِضَةٌ رَافِعَةٌ (٣)﴾؛ أي: هي خافضة لأقوام، رافعة لآخرين. وهو (١) تقرير لعظمتها على سبيل المجاز؛ فإن الوقائع العظام يرتفع فيها أناس إلى مراتب، ويتضع أناس. وتقديم الخفض على الرفع للتشديد في التهويل. قال بعضهم: خافضة لأعداء الله إلى النار، رافعة لأولياء الله إلى الجنة، أو تخفض أقوامًا بالعدل، وترفع أقوامًا بالفضل. وعن ابن عباس رضي الله عنهما: تخفض أقوامًا كانوا مرتفعين في الدنيا، وترفع أقومًا كانوا متضعين فيها، اهـ. كما يشاهد ذلك في تبدل الدول من ذل الأعزة وعز الأذلة. وفي هذا إيماء إلى ما يكون يومئذٍ من حط الأشقياء إلى الدركات ورفع السعداء إلى درجات الجنات. ومن ثم قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: خفضت أعداء الله إلى النار؛ ورفعت أولياءه إلى الجنة.
وقرا الجمهور: ﴿خَافِضَةٌ رَافِعَةٌ (٣)﴾ برفعهما (٢) على إضمار مبتدأ، أي: هي خافضة رافعة. وقرأ زيد بن على؛ والحسن، وعيسى الثقفي، وأبو حيوة، وابن أبي عبلة، وابن مقسم، والزعفراني، واليزيدي في اختياره بنصبهما على الحال؛ وصاحب الحال الواقعة، والعامل فيها ﴿وَقَعَتِ﴾. وتستعمل العرب الخفض والرفع في المكان والمكانة، والعز، والإهانة. ونسبة الخفض والرفع إليها على سبيل المجاز؛ كما مرّ؛ لأن الخافض والرافع في الحقيقة هو الله سبحانه وتعالى.
٤ - والظرف في قوله: ﴿إِذَا رُجَّتِ الْأَرْضُ رَجًّا (٤)﴾؛ أي: زلزلت الأرض زلزالًا، متعلق (٣) بـ ﴿خَافِضَةٌ رَافِعَةٌ (٣)﴾، مجردة عن معني الشرط؛ أي: خافضة رافعة إذا حركت الأرض تحريكًا شديدًا، بحيث ينهدم ما فوقا من بناء وجبل، ولا نسكن زلزلتها حتى تلقي جميع ما في بطنها على ظهرها. والرج: تحريك الشيء، وازعاجه؛ أي: تخفض، وترفع وقت رج الأرض، وبس الجبال؛ لأنه عند ذلك يرتفع ما هو منخفض، وينخفض ما هو مرتفع. وقيل: إن الظرف بدل من الظرف الأول، ذكره الزجاج. فيكون معنى وقوع الواقعة: هو رج الأرض، وبس الجبال.

(١) روح البيان.
(٢) البحر المحيط.
(٣) روح البيان.


الصفحة التالية
Icon