وهم كثيرون لكثرة الأنبياء فيهم، وكثرة من أجابهم. قال الحسن: سابقوا مَنْ مضى أكثر من سابقينا.
قال الزجاج: الذين عاينوا جميع الأنبياء، وصدقوا بهم أكثر ممن عاين النبي - ﷺ -. ولا يخالف هذا ما ثبت في "الصحيح" من قوله - ﷺ -: "إنّي لأرجو أن تكونوا ربع أهل الجنة، ثم قال: ثلث أهل الجنة، ثم قال: نصف أهل الجنة؛ لأنّ قوله: ﴿ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ (١٣) وَقَلِيلٌ مِنَ الْآخِرِينَ (١٤)﴾ إنما هو تفصيل للسابقين فقط، كما سيأتي في ذكر أصحاب اليمين أنهم ثلة من الآخرين، وثلة من الآخرين، فلا يمتنع أن يكون في أصحاب اليمين من هذه الأمة من هو أكثر من أصحاب اليمين من غيرهم، فيجتمع من قليل سابقي هذه الأمّة، ومن ثلّة أصحاب اليمين منها من يكون نصف أهل الجنة. والمقابلة بين الثُّلَّتين في أصحاب اليمين لا تستلزم استواءهما لجواز أن يقال: هذه الثلة أكثر من هذه الثلة، كما يقال: هذه الجماعة أكثر من هذه الجماعة، وهذه الفرقة أكثر من هذه الفرقة، وهذه القطعة أكثر من هذه القطعة. وبهذا تعرف أنه لم يصب من قال: إن هذه الآية منسوخة بالحديث المذكور.
والمعنى: أي هم جماعة كثيرة من سالفي الأمم، وقليل من أمّة محمد - ﷺ -. ويستأنس لهذا بقوله - ﷺ -: "نحن الآخرون السابقون يوم القيامة".
١٥ - ثم ذكر سبحانه حالة أخرى للسابقين المقربين، فقال: ﴿عَلَى سُرُرٍ مَوْضُونَةٍ (١٥)﴾ حال أخرى من المقربين، أو خبر آخر للضمير المحذوف، كما في "البيضاوي". والسرر: جمع سرير، مثل: كثب جمع كثيب، أي: حال كونهم على سرر منسوجة بالذهب، مشبكة بالدر والياقوت من الوضن. وهو نسج الدرع، أو (١) موصولة بالذهب والفضة، منسوجة بالدر والياقوت. ويقال: أرضها من الذهب الممدود، وقوائمها من الجواهر النفيسة.
وقرأ الجمهور (٢): ﴿سُرُرٍ﴾ بضم السين، والراء الأولى. وقرأ زيد بن علي وأبو السمال بفتح السين، وهي لغة لبعض بني نعيم، وكلب، يفتحون عين فصل
(٢) البحر المحيط.