عقله. وقرأ ابن أبي إسحاق بفتح الياء، وكسر الزاي من نزف البئر استفرغ ماءها. فالمعنى: لا تفرغ خمرهم. وقرأ ابن أبي إسحاق أيضًا، وعبد الله، والسلمي، والجحدري، والأعمش، وطلحة، وعيسى بضم الياء، وكسر الزاي؛ أي: لا يفتى لهم شراب.
والمعنى (١): يطوفون عليهم بأداة الشراب كاملة من أكواب وأباريق، وخمر تجري من العيون، ولا تعصر عصرًا. فهي صافية نقية، لا تنقطع أبدًا. وهم يطلبون منها ما يريدون، ولا صداع في شرابها، ولا ذهاب منها للعقل، كما في خمور الدنيا.
٢٠ - وبعد أن وصف الشراب وصف الطعام، فقال: ﴿وَفَاكِهَةٍ﴾ معطوف على ﴿بِأَكْوَابٍ﴾؛ أي: يطوف عليهم ولدان بفاكهة كائنة ﴿مِمَّا يَتَخَيَّرُونَ﴾؛ أي: مما يختارونه، ويأخذون خيره، وأفضله من ألوانها. وكلها خيار. والفاكهة: ما يؤكل من الثمار تلذذًا، لا لحفظ الصحة لاستغنائهم عن حفظ الصحة بالغذاء في الجنة، وليس ذلك كقوت الدنيا الذي يتناوله من يضطر إليه. وهو إشارة إلى أنه يتناول المأكولات التي يتنعم بها.
٢١ - ثم ذكر اللحم الذي هو سيد الإدام، كانت العرب يتوسعون بلحوم الإبل، ويعز عندهم لحم الطير الذي هو أطيب اللحوم، ويسمعون بها عند الملوك فوعدوها؛ فقيل: ﴿وَلَحْمِ طَيْرٍ﴾؛ أي: ويطوفون عليهم بلحم طير كائن ﴿مِمَّا يَشْتَهُونَ﴾؛ أي: مما يتمنونه، وتشتهيه أنفسهم مشويًّا أو مطبوخًا. يتناولونها مشتهين لها، لا مضطرين ولا كارهين.
وقرأ الجمهور (٢) بجر ﴿وَفَاكِهَةٍ﴾ ﴿وَلَحْمِ﴾ عطفًا على أكواب. وقرأ زيد بن عليّ، وأبو عبد الرحمن برفعهما على الابتداء، والخبر مقدّر؛ أي: ولهم فاكهة، ولحم طير.
والمعنى: ويطوفون عليهم بألوان من الفاكهة المختلفة المطاعم، يختارون منها ما تميل إليه نفوسهم، وبأنواع من لحوم الطير مما لذ وطاب. فيأخذون منها ما
(٢) البحر المحيط.