قراءة الجمهور.
٢٣ - ثم شبههن سبحانه باللؤلؤ المكنون، فقال: ﴿كَأَمْثَالِ اللُّؤْلُؤِ الْمَكْنُونِ (٢٣)﴾ صفة لحور أو حال؛ أي: كائنات كأمثال الدر المخزون في الصدف الذي لم تمسه الأيدي، ولا وقع عليه الغبار، ولم تره الأعين. أو المصون عما يضرُّ به، ويدنسه في الصفاء والنقاء ولما بالغ في وصف جزائم بالحسن والصفاء دل على أن أعمالهم كانت كذلك؛
٢٤ - لأن الجزاء من جنس العمل. فقال: ﴿جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾ مفعول لأجله (١) أي: يفعل بهم ذلك كله جزاء بأعمالهم الصالحة في الدنيا، فما جزاء الإحسان إلا الإحسان. فالمنازل منقسمة على قدر الأعمال. وأما نفس دخول الجنة فبفضل الله ورحمته، لا بعمل عامل. ويجوز أن يكون مصدرًا مؤكدًا لفعل محذوف؛ أي: يجزون جزاء... إلخ؛ أي: (٢) جازاهم ربهم على ما عملوا، وأثابهم بما كسبوا في الدنيا، وزكوا به أنفسهم من صالح الأعمال، ونصبوا له بأداء الفرائض على أتم الوجوه وأكملها، فهم كانوا قوامين في الليل، صوامين في النهار ﴿كَانُوا قَلِيلًا مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ (١٧) وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ (١٨) وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ (١٩)﴾.
٢٥ - وبعد أن وصف النساء وصف حينئذٍ حديثهم، فقال: ﴿لَا يَسْمَعُونَ فِيهَا﴾؛ أي: في الجنة ﴿لَغْوًا﴾؛ أي: كلامًا لا ينفع، قاله في "المفردات". واللغو من الكلام: ما لا يعتد به وهو الذي يورد لا عن روية وفكر، فيجري مجرى اللغا. وهو صوت العصافير، ونحوها من الطور. ﴿وَلَا﴾ يسمعون ﴿تَأْثِيمًا﴾؛ أي: شيئًا منسوبًا إلى الإثم، كالشتم أو نسبتهم إلى الإثم بمعنى: لا يقال لهم: أثمتم؛ لأنهم لا يتكلمون بما فيه إثم، كما يتكلم به أهل الدنيا. أو المعنى: لا يأتون تاثيمًا؛ أي: ما هو سبب التأثيم من قول أو فعل قبيح. والإثم: اسم للافعال المبطئة عن الثواب، والجمع آثام.
٢٦ - والاستثناء في قوله: ﴿إِلَّا قِيلًا﴾؛ أي: قولًا ﴿سَلَامًا سَلَامًا﴾ بدل من ﴿قِيلًا﴾ منقطع؛ أي: لكنهم يسمعون فيها قولًا سلامًا سلامًا. ومعنى سماعهم السلام: أنهم يفشون السلام، فيسلمون سلامًا بعد سلام، أو لا يسمع كل من المسلِّم والمسلَّم

(١) روح البيان.
(٢) المراغي.


الصفحة التالية
Icon