عليه إلا سلام الآخر بدأ وردًا. وقيل: تسلم عليهم الملائكة، أو يرسل الرب سبحانه بالسلام إليهم.
والمعنى: لا يسمعون فيها من غيرهم كلامًا لغوًا ساقطًا، ولا كلامًا يأثم به صاحبه، ولا يقولون كلامًا لغوًا ساقطًا، ولاكلامًا يأثمون به لو كانوا في الدنيا. ولكن يقولون كلامًا هو سلام بعضهم على بعض، أو لا يسمحون فيها لغوًا ولا تأثيمًا إلا قولًا هو سلام الملائكة عليهم أو سلام الرب سبحانه عليهم، أي: لا يسمعون اللغو الهراء من الحديث، ولا هجر القول، وما تتقزز منه النفوس الراقية ذات الأخلاق العالية، ولكن يسمعون أطيب السلام، وسامي الكلام مما يستساغ، كما قال سبحانه: ﴿تَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلَامٌ﴾. وقرىء ﴿سلام سلام﴾ بالرفع. قال مكي: ويجوز الرفع على معنى سلام عليكم مبتدأ وخبر.
وفي الآية (١): إشارة إلى أن جنات السابقين المقربين صافية عن الكدورات المنغصة لساكنيها، فارغة عن العاملات المعبسة لقاطنيها، لا يقول أهلها إلا مع الحق، ولا يسمعون إلا من الحق، تجلى الحق لهم عن اسمه السلام المشتمل على السلامة من النقائض، والآفات المتضمن للقربات والكرامات.
٢٧ - ولما فرغ سبحانه من ذكر أحوال السابقين، وما أعده لهم من النعيم المقيم ذكر أحوال أصحاب اليمين. فقال: ﴿وَأَصْحَابُ الْيَمِينِ﴾ وهذا شروع في تفصيل ما أجمل عند التقسيم من شؤونهم الفاضلة إثر تفصيل شؤون السابقين. وهو مبتدأ، خبره جملة قوله: ﴿مَا أَصْحَابُ الْيَمِينِ﴾؛ أي: لا تدري ما لهم من الخير والبركة بسبب فواضل صفاتهم، وكوامل محاسنهم.
٢٨ - وقوله: ﴿فِي سِدْرٍ﴾ خبر ثان، أو خبر مبتدأ محذوف؛ أي: هم في سدر ﴿مَخْضُودٍ﴾؛ أي: غير ذي شوك، خال منه، لا كسدر الدنيا. فإن سدر الدنيا مخلوق بشوك، وسدر الجنة بلا شوك، كأنه خضد شوكه؛ أي: قطع، ونزع عنه. فقوله (٢): ﴿سِدْرٍ مَخْضُودٍ﴾ إما من باب المبالغة في التشبيه، أو مجاز بعلاقة السببية؛ فإن الخضد سبب لانقطاع الشوك. وقيل: "مخضود"؛ أي: مثني أغصانه لكثرة حمله؛ من خضد الغصن إذا ثناه. وهو رطب. فمخضود على هذا الوجه من حذف المضاف، وإقامة المضاف إليه مقامه. وقال الضحاك،
(٢) روح البيان.