حارّ؛ لأنه من دخان نار جهنم. ﴿وَلَا كَرِيمٍ﴾؛ أي (١): ولا نافع من أذى الحر لمن يأوي إليه نفى بذلك ما أوهم الظل من الاسترواح. يعني: أنه سماه ظلًّا، ثم نفى عنه. وصيغة البرد والكرم الذي عبر به عن دفع أذى الحر لتحقيق أنه ليس بظل. والكرم صفة لكل ما يرضي، بجري في بابه. والظل يقصد لفائدتين: لبرودته، ودفع أذى الحر، وإن لم تحصل الاستراحة بالبرد لعدمه. كما في البيوت المسدودة الأطراف، بحيث لا يتحرك فيها الهواء؛ فإن من يأوي إليها يتخلص بها من أذى حر الشمس؛ وإن لم يستروح ببردها. وفيه تهكم بأصحاب المشأمة، وأنهم لا يستأهلون للظل البارد والكريم الذي هو لأضدادهم في الجنة. قال سعيد بن المسيب: ﴿وَلَا كَرِيمٍ﴾؛ أي: ليس فيه حسن منظر، وكل ما لا خير فيه فلىس بكريم. وقال الضحاك: ﴿وَلَا كَرِيمٍ﴾؛ أي: ولا عذب. وقرأ الجمهور (٢) ﴿لَا بَارِدٍ وَلَا كَرِيمٍ (٤٤)﴾ بجرهما، وابن أبي عبلة برفعهما، أي: لا هو بارد ولا كريم.
ومعنى الآيات (٣): أي أصحاب الشمال في حال لا يستطاع وصفها، ولا يقادر قدرها من نكال ووبال وسوء منقلب. ثم فسر هذا المبهم بقوله: ﴿فِي سَمُومٍ وَحَمِيمٍ...﴾ إلخ؛ أي: هم في حرٍّ ينفذ في المسامّ، وماء متناه في الحرارة، وظل من دخان أسود ليس بطيب الهبوب ولا حسن المنظر؛ لأنه دخان من سعير جهنم، يؤلم من يستظل به.
قال ابن جرير: العرب تتبع هذه اللفظة ﴿الكريم﴾ في النفي، فيقولون: هذا الطعام ليس بطيب ولا كريم، وهذا اللحم ليس بسمين ولا كريم، وهذه الدار ليست بواسعة ولا كريمة، اهـ. وذكر السموم الذي هو الريح المتعفن يتحرك من جانب إلى جانب، فإذا شم الإنسان منه يفسد قلبه بسبب العفونة، بقتل الإنسان. والحميم: الذي هو الماء الحار، ولم يذكر النار إشارة بالأدنى إلى الأعلى؛ فإن هواءهم إذا كان سمومًا، وماءهم الذي يستغيثون به حميمًا، مع أن الهواء والماء من أبرد الأشياء وأنفعها، فما ظنك بنارهم؟. فكأنه قال: إن أبرد الأشياء لديهم أحرها، فما بالك بحالهم مع أحرها؟. ونحو الآية قوله تعالى: {انْطَلِقُوا إِلَى مَا كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ

(١) روح البيان.
(٢) البحر المحيط.
(٣) المراغي.


الصفحة التالية
Icon