والمعنى (١): والله لقد علمتم. أنَّ الله أنشأكم بعد أن لم تكونوا شيئًا مذكورًا، فخلقكم وجعل لكم السمع والأبصار، والأفئدة فهلا تتذكرون، وتعرفون أن الذي قدر على هذه النشأة وهي البداية قادر على النشأة الأخرى، وهي الإعادة بطريق الأولى، كما قال: ﴿وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ﴾، وقال: ﴿أَيَحْسَبُ الْإِنْسَانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدًى (٣٦) أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مِنْ مَنِيٍّ يُمْنَى (٣٧) ثُمَّ كَانَ عَلَقَةً فَخَلَقَ فَسَوَّى (٣٨) فَجَعَلَ مِنْهُ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى (٣٩) أَلَيْسَ ذَلِكَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى (٤٠)﴾.
٦٣ - ثم أردف ذلك بدليل آخر في الرزق في المطعوم فقال: ﴿أَفَرَأَيْتُمْ﴾؛ أي: أخبروني يا أهل مكة ﴿مَا تَحْرُثُونَ﴾؛ أي: ما تبذرون، وتطرحون من الحبوب في أرضكم، وتعملون فيها بالسقي ونحوه. والحرثة: إلقاء البذر في الأرض، وتهيئتها للزرع.
٦٤ - ﴿أَأَنْتُمْ تَزْرَعُونَهُ﴾؛ أي: تنبتونه، وتجعلونه زرعا ونباتًا يربو، وينمو إلى يبلغ الغاية. فيكون فيه السنبل والحب ﴿أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ﴾؛ أي: بل نحن المنبتون له، الجاعلون له زرعًا لا أنتم. والاستفهام المفهوم من ﴿أَمْ﴾ للإنكار. والزرع: الإنبات، وحقيقة ذلك يكون بالأمور الإلهية دون البشرية، ولذا نسب الحرث إليهم، ونفى عنهم الزرع، ونسبه إلى نفسه. وفي الحديث: "لا يقولون أحدكم زرعت، وليقل حرثت، فإن الزارع هو الله".
والمعنى (٢): أي أخبروني أيها المشركون عن الحرث الذي تحرثونه: أأنتم تنبتونه أم نحن الذين ننبته؟ أي: أأنتم تصيرونه زرعًا أم نحن الذين نصيره كذلك؟ فإذا أقررتم بهذا فكيف تنكرون البعث؟. ورُوي عن حجر المنذريّ: أنه كان إذا قرأ ﴿أَأَنْتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ (٦٤)﴾، وأمثالها يقول: بل أنت يا ربّ.
والحاصل (٣): أن الحرث فعلهم من حيث إن اختيارهم له مدخل في الحرث، والزرع خالص فعل الله سبحانه. فإن إنبات السنبل والحب لا مدخل فيه لاختيار العبد أصلًا، وإذا نسب الزرع إلى العبد، فلكونه فاعلًا للأسباب التي هي سبب الزرع والإنبات. وفي "الأسئلة المقحمة": الأصح: أن الحرث والزرع واحد، كقوله تعالى: ﴿وَلَا تَسْقِي الْحَرْثَ﴾. فهلا أضاف الحرث إلى نفسه أيضًا؟.
(٢) المراغي.
(٣) روح البيان.