وأبي عمرو، وقرأ سلمان الفارسي ﴿الْمُطَهِّرُونَ﴾ بتخفيف الطاء، وشد الهاء وكسرها اسم فاعل من طهر المضاعف، أي: المطهرون أنفسهم. وقرأ الحسن، وزيد بن عليّ، وعبد الله بن عوف بتشديد الطاء والهاء وكسر الهاء. أصله: المتطهرون فأدغمت التاء في الطاء. وقرىء ﴿المتطهرون﴾.
٨٠ - وقرأ الجمهور ﴿تَنْزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ (٨٠)﴾ بالرفع (١) على أنه صفة ثالثة لقرآن، أو خبر مبتدأ محذوف. وقرىء بالنصب على الحال، أو على المصدرية بفعله المحذوف؛ أي: نزل تنزيلًا. أي: هذا القرآن منزل من عند رب العالمين منجمًا بحسب الوقائع في ثلاث وعشرين سنة؛ لأن صيغة التفعيل تدل على التكرير، فليس بالسحر، ولا بالكهانة، ولا بالشعر، وهو الحق الذي لا مرية فيه، وليس وراءه شيء نافع.
٨١ - وبعد أن بين مزاياه، وأنه من لدن عليم خبير ذكر أنه لا ينبغي التهاون في أوامره ونواهيه، بل ينبغي التمسك به، فقال: ﴿أَفَبِهَذَا الْحَدِيثِ﴾ الذي ذكرت نعوته الجليلة الموجبة لإعظامه وإجلاله، وهو القرآن الكريم، وسماه حديثًا؛ لأن فيه حوادث الأمور، كما في "كشف الأسرار". وهو متعلق بقوله: ﴿مُدْهِنُونَ﴾. وجاز تقديمه على المبتدأ؛ لأنَّ عامله يجوز فيه ذلك. والأصل: أفأنتم مدهنون بهذا الحديث. ﴿أَنْتُمْ﴾ يا أهل مكة ﴿مُدْهِنُونَ﴾؛ أي: (٢) متهاونون، مستحقرون كمن يدهن في الأمر؛ أي: يلين جانبه، ولا يتصلب فيه تهاونًا به، والتدهين كالمداهنة عبارة عن المداراة، والملاينة، وترك الجد، قال في "الإحياء": الفرق بين المداهنة، والمداراة يكون بالنظر إلى الغرض الباعث على الإغضاء، فإن أغضيت لسلامة دينك، ولما ترى فيه من إصلاح أخيك بالإغضاء فأنت مدار، وإن أغضيت لحظ نفسك، واجتلاب شهواتك، وسلامة جاهك فأنت مداهن. قال أبو الدرداء رضي الله عنه: إنا لنبش في وجوه أقوام، وإن قلوبنا لتغلنهم، وهذا معنى المداراة. وهو منع شر من يخاف شره.
والمعنى (٣): أي فبهذا القرآن تتهاونون، وتمالئون من يتكلم فيه، ولا تظهرون

(١) الشوكاني.
(٢) روح البيان.
(٣) المراغي.


الصفحة التالية
Icon