والمعين.. ذكر هنا حال المؤمنين المنفقين يوم القيامة. فبين أن نورهم يسعى بين أيديهم وبأيمانهم، ليرشدهم إلى الجنة، وأنهم يبشرون بجنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها أبدًا، ثم أردفه بذكر حال المنافقين إذ ذاك، وأنهم يطلبون من المؤمنين شيئًا من الضوء يستنيرون به ليهديهم سواء السبيل؛ فيتهكم بهم المؤمنون، ويخيبوا آمالهم، ويقولون لهم: ارجعوا إلى الدنيا، فالتمسوا نورًا بتحصيل العلوم والمعارف، فلا نور إلا منها.
ثم أرشد إلى أنه يضرب بين الفريقين حاجز باطنه مما يلي المؤمنين، فيه الرحمة، ومما يلي المنافقين فيه العذاب؛ لأنه في النار. ثم ذكر السبب فيما صاروا إليه، وأنهم أهلكوا أنفسهم بالنفاق والمعاصي، وانتظروا أن تدور على المؤمنين الدوائر فينطفيء نور الإيمان، وشكلوا في أمر البعث، وغرهم الشيطان فأوقعهم في مهاوي الردى.
ثم أعقبه ببيان أنه لا أمل في النجاة لهم إذ ذاك فلا تجدي الفدية، كما تنفع في الدنيا. فلا مأوى لهم إلا النار، وبئس القرار.
قوله تعالى: ﴿أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ...﴾ الآيات، مناسبة هذه الآيات لما قبلها: أن الله سبحانه لما ذكر فرق ما بين المؤمنين والمنافقين يوم القيامة، وأن الأولين لهم نور يهديهم إلى طريق الجنة، وأن الآخرين يطلبون منهم أن يأتوهم قبسًا من نورهم يهديهم إلى سبيل النجاة، فيردونهم خائبين، ويقولون لهم: ارجعوا ورائكم فالتمسوا نورًا.. أردف هذا (١) بعتاب قوم من المؤمنين، فترت همتهم عن القيام بما ندبوا له من الخشوع، ورقة القلوب بسماع المواعظ وسماع القرآن، ثم حذرهم أن يكونوا كأهل الكتاب الذين طال العهد بينهم وبين أنبيائهم، فقست تلوبهم، وأعرضوا عن أوامر الدين ونواهيه. ثم أبان لهم بضرب المثل: أن القلوب القاسية تحيا بالذكر، وتلاوة القرآن كما تحيا الأرض الميتة بالغيث، والمطر.