حقيقة أو نظرا إلى ذاتها مع قطع النظر عن مبقيها؛ فإن جميع الموجودات الممكنة إذا قطع النظر عن علتها، فهي فانية. وقيل: الأول (١) هو الذي ليس لوجوده بداية مفتتحة. والآخر: هو الدائم الذي ليس له نهاية منقضية. وقيل: الأول الذي كان قبل كل شيء. والآخر الذي يبقى بعد هلاك كل شيء. وقال أبو بكر الوراق: الأول بالأزلية، والآخر بالأبدية. ﴿وَالظَّاهِرُ﴾ وجودًا لكثرة دلائله الواضحة، أو العلي الغالب على كل شيء. من ظهر عليه إذا علاه، وغلبه. ﴿وَالْبَاطِنُ﴾ حقيقة، فلا يحوم العقل حول إدراك كنهه، وليس يعرف الله إلا الله. وتلك الباطنية سواء في الدنيا والآخرة. فاضمحل ما في "الكشاف" من أن فيه حجة على من جوز إدراكه في الآخرة بالحاسة. وذلك فإن كونه باطنًا بكنه حقيقته لا ينافي كونه مرئيًا في الآخرة من حيث صفاته. أو العالم بما بطن، وخفي من الأمور، من قولهم: فلان يبطن أمر فلان؛ أي: يعلم داخلة أمره.
وقد فسر هذه الأسماء الأربعة رسول الله - ﷺ -، فيتعين المصير إليه (٢). وهو ما أخرجه ابن أبي شيبة، ومسلم، والترمذي، والبيهقي عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: جاءت فاطمة إلى رسول الله - ﷺ - تسأله خادمًا. فقال قولي: "اللهم رب السموات السبع، ورب العرش العظيم، وربنا ورب كل شيء، منزل التوراة والإنجيل والفرقان، فالق الحب والنوى، أعوذ بك من شر كل شيء أنت آخذ بناصيته، أنت الأول فليس قبلك شيء، وأنت الآخر فليس بعدك شيء، وأنت الظاهر فليس فوقك شيء، وأنت الباطن فليس قبلك شيء. اقض عنا الدين، وأغننا من الفقر".
وقال الزمخشري: فإن قلت: فما معنى ﴿الواو﴾ في هذه الأسماء؟
قلت: الواو الأولى معناها: الدلالة على أنه الجامع بين الصفتين الأولية والآخرية، والثانية على أنه الجامع بين الظهور والخفاء. وأما الوسطى فعلى أنه الجامع بين مجموع الصفتين الأوليين، ومجموع الصفتين الأخريين، فهو المستمر الوجود في جميع الأوقات الماضية والآتية، وهو في جميعها ظاهر وباطن، جامع الظهور بالأدلة والخفاء، فلا يدرك بالحواس.
(٢) الشوكاني.