وتصوير لعدم خروجهم عن قبضته أينما داروا. وفي الحديث: "أفضل إيمان المرء أن يعلم أن الله معه حيث كان". وقال موسى عله السلام: "أين أجدك يا رب؟ قال: يا موسى إذا قصدت إلي فقد وصلت إلي".
﴿وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ﴾ لا يخفى عليه شيء من أعمالكم فيجازيكم عليه ثوابًا وعقابًا، وهو عبارة عن إحاطته بأعمالهم، فتأخيره عن الخلق لما أن المراد: ما يدور عليه الجزاء من العلم التابع للمعلوم، لا لما قيل: من أن الخلق دليل على العلم، فبالخلق يستدل على العلم، والدليل يتقدم على المدلول.
وفي الآية: إيقاظ للغافلين، وتنشيط للمتيقظين، ودلالة لهم على الخشية والحياء من رب العالمين، وإشارة لهم إلى أن أعمالهم محفوظة، وأنهم مجزيون بها إن خيرًا فخير، وإن شرًا فشر. قال بعض الكبار: ﴿وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ﴾؛ لأنه العامل بكم وفيكم، ولا بد لكل عامل أن يبصر عمله، وما يتعلق به.
والمعنى (١): أي وهو رقيب عليهم، سميع لكلامكم، يعلم سركم ونجواكم. كما قال: ﴿سَوَاءٌ مِنْكُمْ مَنْ أَسَرَّ الْقَوْلَ وَمَنْ جَهَرَ بِهِ وَمَنْ هُوَ مُسْتَخْفٍ بِاللَّيْلِ وَسَارِبٌ بِالنَّهَارِ (١٠)﴾.
وفي "الصحيح": أن رسول الله - ﷺ - قال لجبريل لما سأله عن الإحسان: "الإحسان أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك"، وقال عمر رضي الله عنه: جاء رجل إلى النبي - ﷺ -، فقال: زودني حكمة أعيش بها، فقال: "استح الله كما تستحي رجلًا من صالحي عشيرتك لا يفارقك". وكان الإمام أحمد كثيرًا ما ينشد هذين البيتين:
إِذَا مَا خَلَوْتَ الدَّهْرَ يَوْمًا فَلَا تَقُلْ | خَلَوْتُ وَلَكِنْ قُلْ عَلَيَّ رَقِيبُ |
وَلَا تَحْسَبَنَّ اللهَ يَغْفَلُ سَاعَةً | وَلَا أَنَّ مَا تُخْفِيْ عَلَيْهِ يَغِيْبُ |