تُؤْمِنُونَ} مفيدة لتوبيخهم على الكفر مع تحقق ما يوجب عدمه بعد توبيخهم عليه مع عدم ما يوجبه؛ أي: وأي عذر في ترك الإيمان، والحال أن الرسول يدعوكم إليه، وينبهكم على صحة ما جاءكم به بالحجج والآيات. فإن الدعوة المجردة لا تفيد. فلو لم يجب الداعي دعوة مجردة، وترك ما دعاه إليه لم يستحق الملامة والتوبيخ، فلام ﴿لِتُؤْمِنُوا﴾ بمعنى إلى، ولا يبعد حملها على التعليلية، أي: يدعوكم إلى الإيمان لأجل أن تؤمنوا.
وجملة قوله: ﴿وَقَدْ أَخَذَ﴾ الله سبحانه ﴿مِيثَاقَكُمْ﴾ وعهدكم المؤكد باليمين على الإيمان من قبل دعوة الرسول إيّاكم إليه بنصب الأدلة والتمكين من النظر، حال من مغعول ﴿يَدْعُوكُمْ﴾ أو من فاعله على التداخل. وحمله بعضهم على الميثاق المأخوذ يوم الذر، حين أخرجهم من صلب آدم في صورة الذر. وهي النمل الصغير. والمعنى؛ أي: والحال أن الله قد أخذ ميثاقكم حين أخرجكم من ظهر أبيكم آدم.
وقرأ الجمهور (١): ﴿وَقَدْ أَخَذَ﴾ مبنيًا للفاعل، وهو الله لتقدم ذكره ﴿مِيثَاقَكُمْ﴾ بالنصب. وقرأ أبو عمرو مبنيًا للمفعول، ﴿مِيثَاقَكُمْ﴾ بالرفع.
﴿إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ﴾ لموجب ما. فإن هذا موجب لا موجب وراءه. وفي "عين المعاني"؛ أي: إن كنتم مصدقين بالميثاق. وفي "فتح الرحمن"؛ أي: إن دمتم على ما بدأتم به، وفي "الشوكاني": إن كنتم مؤمنين بما أخذ عليكم من الميثاق، أو بالحجج والدلائل، أو كنتم مؤمنين بسبب من الأسباب، فهذا من أعظم أسبابه، وأوضح موجباته، وقال أبو حيان: ﴿إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ﴾ شرط جوابه محذوف، تقديره: إن كنتم مؤمنين لموجب ما، فهذا هو الموجب لإيمانكم، أو إن كنتم ممن يؤمن فما لكم لا تؤمنون، والحالة هذه، وهي دعاء الرسول، وأخذ الميثاق. وقال الطبري: إن كنتم مؤمنين في حال من الأحوال، فالآن فإنه قد تطابقت الدلائل النقلية والعقلية، وبلغت مبلغًا لا يمكن الزيادة عليها.
والمعنى (٢): أي وأي شيء يمنعكم من الإيمان والرسول بين أظهركم يدعوكم إلى ذلك، ويبين لكم الحجج، والبراهين على صحة ما جاءكم به، وقد أخذ الله
(٢) المراغي.