عليكم الميثاق بما نصب لكم من الأدلة على وحدانيته في الكون أرضه وسمائه، بره وبحره، وفي الأنفس بما تشاهدن فيها من بديع صنعها، وعظيم خلقها إن كنتم تؤمنون بالدليل العقلي والنقلي.
وصفوة القول: إن الأدلة تظاهرت على وجوب الإيمان بالله ورسوله، فقد نصب في الكون ما يرشد إلى وجوده، وأرسل الرسل يدعون إلى ذلك، وأقاموا البراهين على صدق ما يقولون، فما عذركم، وإلام تستندون في رد هذا؟ الآن قد تبين الرشد من الغيّ، وأفصح لذي عينين. وماذا بعد الحق إلا الضلال "فهل من مدّكر".
٩ - ثم قطع عليهم الحجة، وأزال معذرتهم. فقال: ﴿هُوَ﴾ سبحانه وتعالى الإله ﴿الَّذِي يُنَزِّلُ﴾ بواسطة جبرئيل عليه السلام، وقرىء (١) في السبعة ﴿يُنَزِّلُ﴾ مضارعًا. فبعض ثقل، وبعض خفف. وقرأ الحسن بالوجهين. وقرأ زيد بن علي، والأعمش ﴿أنزل﴾ ماضيًا. ﴿عَلَى عَبْدِهِ﴾ محمد - ﷺ -. ﴿آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ﴾؛ أي: واضحات من الأمر والنهي، والحلال، والحرام وهي الآيات القرآنية. وقيل: المعجزات، والقرآن أعظمها. ﴿لِيُخْرِجَكُمْ﴾ الله سبحانه أيها المؤمنون بتلك الآيات ﴿مِنَ الظُّلُمَاتِ﴾؛ أي (٢): من ظلمات الكفر، والشرك، والشك، والجهل، والمخالفة ﴿إِلَى النُّورِ﴾؛ أي: إلى نور الإيمان، والتوحيد، واليقين، والعلم، والموافقة. أو ليخرجكم عبده محمد - ﷺ - بتلك الآيات أو بالدعوة. ﴿وَإِنَّ اللَّهَ﴾ سبحانه وتعالى ﴿بِكُمْ﴾ أيها المؤمنون ﴿لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ﴾؛ أي: لكثير الرأفة والرحمة بليغهما، حيث هداكم إلى سعادة الدارين بإنزال كتبه، وإرسال رسله لهداية عباده بعد نصب الحجج العقلية، فلا رأفة، ولا رحمة أبلغ من هذا. والرأفة: أشد الرحمة.
والمعنى: أي هو الذي ينزل على رسوله دلائل واضحات، ليخرجكم من ظلمات الكفر إلى نور الإيمان، ومن الضلالة إلى الهدى، ولرأفته بكم، ورحمته لكم مكن لكم من النظر في الأنفس، والآفاق لتهتدوا إلى معرفته على أتم وجه، وأهون سبيل.
(٢) روح البيان.