أنفق بعد الفتح، وقاتل العدو تحت لواء رسول الله - ﷺ -. والاستواء (١) يقتضي شيئين. فقسيم ﴿من آمن﴾ محذوف لوضوحه، ودلالة ما بعده عليه؛ أي: لا يستوي في الفضل والثواب من أنفق من قبل الفخح وقاتل، ومن أنفق من بعده وقاتل. وقرأ الجمهور ﴿مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ﴾. وقرأ زيد بن علي ﴿قَبْلِ الْفَتْحِ﴾ بغير من.
وإنما كانت النفقة، والقتال قبل الفتح أفضل من النفقة والقتال بعد الفتح؛ لأن حاجة الناس كانت إذ ذاك أكثر، وهم أقل وأضعف، ولم يؤمن إذ ذاك إلا الصديقون. أما بعد الفتح فقد انتشر الإسلام، ودخل الناس في دين الله أفواجًا، وتقديم الإنفاق على القتال للإيذان بفضيلة الإنفاق لما كانوا عليه من الحاجة، فإنهم كانوا يجودون بأنفسهم، ولا يجدون ما يجودون به من الأموال، والجود بالنفس أقصى غاية الجود.
والإشارة بقوله: ﴿أُولَئِكَ﴾ إلى ﴿من﴾ باعتبار معناها، وهو مبتدأ، وخبره ﴿أَعْظَمُ دَرَجَةً﴾؛ أي: أرفع منزلة عند الله، وأعلى رتبة ﴿مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا﴾ أموالهم في سبيل الله تعالى ﴿مِنْ بَعْدُ﴾؛ أي: من بعد فتح مكة. ﴿وَقَاتَلُوا﴾ مع رسول الله - ﷺ -. قال الزجاج: لأن المتقدمين نالهم من المشقة أكثر مما نال من بعدهم، وكانت بصائرهم أيضًا أنفذ.
وقال الشعبي، والزهري: فتح الحديبية. قال قتادة: كان قتالان أحدهما أفضل من الآخر، ونفقتان إحداهما أفضل من الأخرى، كان القتال والنفقة من قبل فتح مكة أفضل من النفقة والقتال بعد ذلك.
والمعنى (٢): أي أولئك المنفقون المقاتلون قبل الفتح، وهم السابقون الأوّلون من المهاجرين والأنصار أعظم درجة، وأرفع منزلة عند الله، وبعظم الدرجة يكون عظم صاحبها. فالدرجة بمعنى المرتبة والطبقة، وجمعها درجات، كما سيأتي. ﴿مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقَاتَلُوا﴾؛ لأنّهم إنما فعلوا من الإنفاق، والقتال قبل عزة الإسلام، وقوّة أهله عند كمال الحاجة إلى النصرة بالنفس والمال، وهؤلاء فعلوا ما فعلوا بعد ظهور الدين، ودخول الناس فيه أفواجًا، وقلة الحاجة إلى الإنفاق
(٢) روح البيان.