أيقرض الله أحد فيضاعفه له؛ أي: فيعطيه أجره أضعافًا من فضله، وإنّما قلنا: باعتبار المعنى؛ لأنَّ ﴿الفاء﴾ إنما تنصب فعلًا مردودًا على فعل مستفهم عنه كما قال أبو علي الفارسي. وهاهنا السؤال لم يقع عن القرض، بل عن فاعله. ﴿وَلَهُ أَجْرٌ كَرِيمٌ﴾ وذلك الأجر المضموم إليه الأضعاف كريم حسن طيب مرضي في نفسه، حقيق بأن يتنافس فيه المتنافسون، وإن لم يضاعف فكيف وقد ضوعف أضعافًا كثيرة.
والمعنى (١): أي من هذا الذي ينفق أمواله في سبيل الله محتسبًا أجره عند ربه بلا من ولا أذى، فيضاعف له ذلك القرض، فيجعل له بالحسنة الواحدة سبع مئة، وله بعد ذلك جزاء كريم بمثبوته بالجنة، وعن ابن مسعود رضي الله عنه قال: لما نزلت هذه الآية: ﴿مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا...﴾ الآية، قال أبو الدحداح الأنصاري: يا رسول الله، وإن الله ليريد منا القرض، قال: "نعم يا أبا الدحداح، قال: أرني يدك يا رسول الله قال: فناوله يده قال: إني أقرضت ربي حائطي - بستاني - وكان له حائط فيه ست مئة نخلة، وأم الدحداح فيه وعيالها. قال أبو الدحداح: فناديتها يا أم الدحداح، قالت: لبيك، قال أخرجي فقد أقرضته ربي عز وجل، قالت له: ربح بيعك يا أبا الدحداح. ونقلت منها متاعها وصبيانها. فقال رسول الله - ﷺ -: "كم من عذق رداح في الجنة لأبي الدحداح".
وهذا الأسلوب يستعمل في الأمر العزيز النادر، فيقال: من ذا الذي يفعل كذا إذا كان أمرًا عظيمًا. وعلى هذا جاء قوله تعالى: ﴿مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ﴾.
وقرأ ابن عامر، وابن كثير (٢): ﴿فيُضعِّفه﴾ بإسقاط الألف مع التضعيف، إلا ابن عامر، ويعقوب نصبوا الفاء. وقرأ نافع، وأهل الكوفة والبصرة ﴿فَيُضَاعِفَهُ﴾ بالألف وتخفيف العين، إلا أن عاصمًا نصب ﴿الفاء﴾ ورفع الباقون. قال ابن عطية: الرفع على العطف على ﴿يُقْرِضُ﴾ أو الاستئناف، والنصب لكون ﴿الفاء﴾ في جواب الاستفهام. وضَعَّف النصب أبو علي الفارسي، قال: لأن السؤال لم يقع عن القرض، وإنما وقع عن فاعل القرض، وإنما تنصب ﴿الفاء﴾ فعلًا مردودًا على فعل
(٢) الشوكاني.