الصالحين"، لا أحصي ثناء عليك أنت كما أئنيت على نفسك". وكلَّم يونس ربه في البحر، وقال: ﴿لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ﴾.
وقرن الكتاب بالطور؛ لأنَّ موسى كان ينزل عليه الكتاب وهو به. وقرن السقف المرفوع بالبيت المعمور، ليعلم عظمة شأن محمد - ﷺ -. وأقسم بكل هذا علي أن العذاب يوم القيامة نازلٌ بأعدائه الذين يخوضون في الباطل، ويتخذون الدين هزوًا ولعبًا فيدفعون إلى النار دفعًا عنيفًا، ويقال لهم: هذه هي النار التي كنتم بها تكذّبون، ادخلوها، وقاسوا شدائدها، وسواء علكيم أجزعتم أم صبرتم ما لكم منها مهرب ولا خلاص.
قوله تعالى: ﴿إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَعِيمٍ (١٧)...﴾ الآيات، مناسبة هذه الآيات لما قبلها: أن الله سبحانه لما بيّن ما يصيب الكافرين من العذاب الأليم الذي لا دافع له، ولا مهرب مه.. ذكر ما يتمتع به المؤمنون في ذلك اليوم من صرف اللذّات في المساكن، والمآكل، والمشارب، والفرش، والأزواج بحسب سنن القرآن من ذكر الثواب بعد العقاب ليتم أمر الترغيب بعد الترهيب، حتى يكون المرء بين عاملين عامل الرهبة من بطش ربّه، وعامل الرغبة في رحمته. وكلاهما لا غنى للمرء عنه؛ ليكمل صلاحه، ويرعوي عن غيّه، ولا يقنط من رحمة ربّه.
قوله تعالى: ﴿وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ...﴾ الآيات، مناسبتها لما قبلها: أنّه سبحانه وتعالى لما ذكر ما يتمغ به أهل الجنة من المطاعم والمشارب والأزواج كرمًا منه وفضلًا.. أردف ذلك ذكر ما زاده لهم من الفضل والإكرام. وهو أن يلحق بهم ذريتهم المؤمنة في المنازل والدرجات وإن لم تبلغ بهم أعمالهم ذلك لتقربهم أعينهم إذا رأوهم في منازلهم على أحسن الأحوال. فيرفع الناقص في عمله إلى الكامل فيه، ولا ينقص من عمله هو، ولا منزلته.
قوله تعالى: ﴿فَذَكِّرْ فَمَا أَنْتَ بِنِعْمَتِ رَبِّكَ بِكَاهِنٍ وَلَا مَجْنُونٍ (٢٩)...﴾ الآيات، مناسبة هذه الآيات لما قبلها: أنّ الله (١) سبحانه وتعالى لمّا ذكر فيما سلف أنّ العذاب واقع بالكافرين لا محالة، وأنّ الفريقين المصدقين والمكذبين مجزيون

(١) المراغي.


الصفحة التالية
Icon