عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ (٢٤)}. ذلك الخلود في الجنات التي سمعتم أوصافها هو النجاح العظيم الذي كنتم تطلبونه بعد النجاة من عقاب الله.
١٣ - وبعد أن ذكر حال المؤمنين في موقف القيامة أتبعه ببيان حال المنافقين. فقال: ﴿يَوْمَ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ﴾ بدل من ﴿يَوْمَ تَرَى﴾؛ أي: اذكر يا محمد لقومك أو اذكر أيها المخاطب أهوال يوم يقول المنافقون والمنافقات ﴿لِلَّذِينَ آمَنُوا﴾؛ أي: أخلصوا الإيمان بكل ما يجب الإيمان به: ﴿انْظُرُونَا﴾؛ أي: انتظرونا. يقولون ذلك لما رأوا المؤمنين يسرع بهم إلى الجنة كالبروق الخاطفة على ركاب تزف بهم، وهؤلاء مشاة أو انظروا إلينا. فإنهم إذا نظروا إليهم استقبلوهم بوجوههم، فيستضيئون بالنور الذي بين أيديهم. فانظرونا على هذا الوجه من باب الحذف والإيصال؛ لأن النظر بمعنى الإبصار لا يتعدى بنفسه، وإنما يتعدى بإلى. وهذان المعنيان على قراءة الجمهور. فإنهم قرأوا ﴿انْظُرُونَا﴾ أمرًا بوصل (١) الهمزة وضم الظاء، من نظر الثلاثي. وقرأ زيد بن علي، وابن وثاب، والأعمش، وطلحة، وحمزة ﴿أنظرونا﴾ بقطع الهمزة وكسر الظاء، من أنظر الرباعي؛ أي: أنظرونا وأخرونا. لأن الإنظار: الإمهال على أن تأنِّيهم في المضي ليلحقوا بهم إنظار لهم وإمهال؛ أي: تأخروا لأجلنا، ولا تسرعوا في مضيكم ﴿نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ﴾؛ أي: نستضيء منه، ونمش فيه معكم. وأصله: اتخاذ القبس. وهو محركة شعلة نار تقتبس من معظم النار كالمقباس، كما سيأتي. وقيل: ﴿نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ﴾؛ أي: نأخذ من نوركم قبسًا سراجًا وشعلة.
﴿قِيلَ﴾ طردًا لهم، وتهكّمًا بهم من جهة المؤمنين، أو من جهة الملائكة ﴿ارْجِعُوا وَرَاءَكُمْ﴾؛ أي: إلى الموقف ﴿فَالْتَمِسُوا نُورًا﴾؛ أي: فاطلبوا نورًا. فإنه من ثمة يقتبس، أو ارجعوا إلى الدنيا فالتمسوا النور بتحصيل مباديه من الإيمان والأعمال الصالحة.
والمعنى (٢): قال لهم المؤمنون أو الملائكة زجرًا لهم، وتهكمًا بهم: ارجعوا

(١) البحر المحيط.
(٢) الشوكاني.


الصفحة التالية
Icon