المنافقون إذ ذاك فقال: ﴿يُنَادُونَهُمْ﴾ استئناف واقع في جواب سؤال مقدر كأنه قيل: فماذا يفعلون بعد ضرب السور، ومشاهدة العذاب؟ فقيل: ينادي المنافقون المؤمنين من وراء السور ﴿أَلَمْ نَكُنْ﴾ في الدنيا ﴿مَعَكُمْ﴾ يريدون به موافقتهم لهم في الأمور الظاهرة: كالصلاة، والصوم، والمناكحة، والموارثة، ونحوها.
ثم أخبر سبحانه عما أجابهم به المؤمنون فقال: ﴿قَالُوا﴾؛ أي: قال المؤمنون: ﴿بَلَى﴾ كنتم معنا بحسب الظاهر ﴿وَلَكِنَّكُمْ﴾ أيها المنافقون ﴿فَتَنْتُمْ﴾ وابتليتم ﴿أَنْفُسَكُمْ﴾ ومحنتموها بالنفاق، وأهلكتموها. وإضافة (١) الفتنة إلى النفس إضافة الميل والشهوة، وإلى الشيطان في قوله: ﴿لَا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ﴾ إضافة الوسوسة، وإلى الله تعالى في قوله: ﴿قَالَ فَإِنَّا قَدْ فَتَنَّا قَوْمَكَ﴾ إضافة الخلق. لأنه خلق الضلال فيه ليفتتن. ﴿وَتَرَبَّصْتُمْ﴾ بالمؤمنين الدوائر. والتربص: الانتظار. وقال مقاتل: وتربصتم بمحمد - ﷺ - الموت، وقلتم: يوشك أن يموت فنستريح منه. وهو وصف قبيح؛ لأن انتظار موت وسائل الخير، ووسائط الحق من عظيم الجرم والقباحة. إذ شأنهم أن يرجى طول حياتهم ليستفاد منهم، ويغتنم بمجالستهم. ﴿وَارْتَبْتُمْ﴾؛ أي: شككتم في أمر الدين أو في النبوة، أو في هذا اليوم، ولم تصدقوا ما نزل من القرآن، ولا بالمعجزات الظاهرة. ﴿وَغَرَّتْكُمُ الْأَمَانِيُّ﴾ الفارغة الباطلة التي من جملتها: الطمع في انتكاس أمر الإِسلام. جمع أمنية كأضحية. وفي "عين المعاني": وغرتكم خدع الشيطان. وقال أبو الليث: أباطيل الدنيا. ﴿حَتَّى جَاءَ أَمْرُ اللَّهِ﴾؛ أي: الموت. وقيل: نصره سبحانه لنبيه - ﷺ -. وقال قتادة: هو إلقاؤهم في النار. ﴿وَغَرَّكُمْ بِاللَّهِ﴾ الكريم ﴿الْغَرُورُ﴾؛ أي: الشيطان؛ أي: غركم الشيطان بأن الله عفو كريم لا يعذبكم. قال قتادة: ما زالوا على خدعة من الشيطان، حتى قذفهم الله تعالى في النار. قال الزجاج: الغرور على وزن فعول. وهو من أسماء المبالغة، يقال: فلان أكول كثير الأكل، وكذا الشيطان الغرور. لأنه يغر ابن آدم كثيرًا. قال في "المفردات": الغرور: كل ما يغر الإنسان من مال وجاه وشهوة وشيطان، وقد فسر بالشيطان؛ إذ هو أخبث الغارين بالدنيا لما قيل: الدنيا تغر، وتضر، وتمر.
وقرأ الجمهور (٢): ﴿الْغَرُورُ﴾ بفتح الغين، وهو صفة على فعول، والمراد به:
(٢) الشوكاني.