الشيطان؛ أي: خدعكم بحلم الله وإمهاله الشيطان. وقرأ أبو حيوة، ومحمد بن السميفع، وسماك بن حرب بضمها، وهو مصدر.
ومعنى الآية (١): أي ينادي المنافقون المؤمنين أما كنا معكم في دار الدنيا نصلي معكم الجماعات، ونقف معكم بعرفات، ونحضر معكم الغزوات، ونؤدي معكم سائر الواجبات؟ فيجيبهم المؤمنون قائلين لهم: بلى كنتم معنا ولكنكم أهلكتم أنفسكم باللذات والمعاصي، وأخرتم التربة، وشككتم في أمر البعث بعد الموت، وغرتكم الأماني فقلتم: سيغفر لنا، وما زلتم كذلك حتى حضركم الموت، وغركم الشيطان فقال لكم: إن الله عفو كريم لا يعذبكم.
والخلاصة: أنكم كنتم معنا بأبدانكم لا بقلوبكم، وكنتم في حيرة من أمركم فلا تذكرون الله إلا قليلًا.
١٥ - ثم أيأسوهم من عاقبة أمرهم، وأنهم هالكون لا محالة، ولا سبيل إلى الخلاص من النار. فقال: ﴿فَالْيَوْمَ﴾؛ أي: ففي هذا اليوم الحاضر. وهو يوم القيامة ﴿لَا يُؤْخَذُ مِنْكُمْ﴾ أيها المنافقون ﴿فِدْيَةٌ﴾؛ أي: فداء تدفعون به العذاب عن أنفسكم. والفداء: حفظ الإنسان نفسه من النائبة بما يبذله من مال أو نفس؛ أي: لا يؤخذ منكم دية، ولا نفس أخرى مكان أنفسكم.
وقرأ الجمهور (٢): ﴿لَا يُؤْخَذُ﴾ بالياء. وقرأ أبو جعفر، والحسن، وابن أبي إسحاق، والأعرج، وابن عامر، وهارون عن أبي عمرو ﴿تُؤخَذ﴾ بالتاء لتأنيث الفدية. ﴿وَلَا﴾ تؤخذ فدية أيضًا ﴿مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا﴾ ظاهرًا وباطنًا. وفيه (٣) دلالة على أن الناس ثلاثة أقسام: مؤمن ظاهرًا وباطنًا وهو المخلص، ومؤمن ظاهرًا لا باطنًا، وهو المنافق، وكافر ظاهرًا وباطنًا. ﴿مَأْوَاكُمُ﴾؛ أي: مرجعكم، ومقركم، ومنزلكم الذي تأوون إليه أيها المنافقون ومرجع الكفار أيضًا ﴿النَّارُ﴾؛ أي: نار جهنم لا ترجعون إلى غيرها أبدًا. ﴿هِيَ﴾؛ أي: النار ﴿مَوْلَاكُمْ﴾؛ أي: والية أموركم تتصرف فيكم تصرف الموالي في عبيدهم لما أسلفتم من المعاصي. والمولى في الأصل: من يتولى مصالح الإنسان، ثم استعمل فيمن يلازمه. وقيل: معنى ﴿مَوْلَاكُمْ﴾:

(١) المراغي.
(٢) البحر المحيط.
(٣) روح البيان.


الصفحة التالية
Icon