ويُقْضَى الأَمْرُ حِيْنَ تَغِيْبُ تَيْمٌ وَلَا يُسْتَأْذَنُوْنَ وَهُمْ شُهُوْدُ
ثم حذرهم أن يكونوا كأهل الكتاب قبلهم فقال: ﴿وَلَا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ﴾ الآية؛ أي: لا يتشبهوا بالذين حملوا الكتاب من قبلهم من اليهود والنصارى، حين طال الأمد بينهم وبين أنبيائهم، فقست قلوبهم، ولم تقبل موعظة، ولم يؤثر فيها وعد ولا وعيد، وبدلوا كتاب الله الذي بأيديهم، واشتروا به ثمنًا قليلًا، ونبذوه وراء ظهورهم، وأقبلوا على الآراء المختلفة والأقوال المؤتفكة، وقلدوا في دين دون دليل ولا برهان، واتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابًا أو دون الله، وكثير منهم خرج عن أوامر الدين في الأعمال والأقوال. كما قال: ﴿فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ وَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ وَلَا تَزَالُ تَطَّلِعُ عَلَى خَائِنَةٍ مِنْهُمْ إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَحْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (١٣)﴾؛ أي: فسدت قلوبهم فقست، وصار سجيتهم تحريف الكلم عن مواضعه، فتركوا الأعمال التي أمروا بها، واجترحوا ما نهوا عنه.
والخلاصة: أن الله نهى المؤمنين أو يكونوا حين سماع القرآن غير متدبرين مواعظه كاليهود والنصارى الذين قست قلوبهم، لما طال العهد بينهم وبين أنبيائهم.
١٧ - ثم ضرب المثل لتأثير المواعظ وتلاوة القرآن في القلوب. فقال: ﴿اعْلَمُوا﴾ أيها المؤمنون ﴿أَنَّ اللَّهَ﴾ سبحانه وتعالى ﴿يُحْيِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا﴾؛ أي (١): يلين القلوب بالخشوع الناشىء عن الذكر، وتلاوة القرآن بعد قساوتها كما يحيي الله سبحانه الأرض بالغيث بعد يبسها، وكذلك يحيي الله الموتى أو القبور بالمطر. وهذا تمثيل لإحياء القلوب القاسية بالذكر، والتلاوة بإحياء الأرض الميتة بالغيث للترغيب في الخشوع والتحذير عن القساوة. ﴿قَدْ بَيَّنَّا﴾ وأوضحنا ﴿لَكُمْ﴾ أيها المؤمنون ﴿الْآيَاتِ﴾ الدالة على باهر قدرتنا، وبليغ حكمتنا التي أو جملتها هذه الآيات. ﴿لَعَكلم تَعْقِلُونَ﴾؛ أي: لكي تعقلوا ما فيها، وتعملوا بموجبها فتفوزوا بسعادة الدارين.
والمعنى (٢): أي من الله تعالى يلين القلوب بعد قسوتها، ويهدي النفوس
(١) المراح.
(٢) المراغي.


الصفحة التالية
Icon