فائدة. ﴿وَلَهْوٌ﴾ تلهون به أنفسكم، وتشغلونها عما يهمكم من أعمال الآخرة. واللهو في أصله: هو فعل الشبان، فبعد انقضائه لا يبقى إلا التحزن؛ لأنَّ العاقل يرى المال ذاهبًا والعمر ذاهبًا، وقال مجاهد: كل لعب لهو، وقيل: اللعب ما رغب في الدنيا، واللهو ما ألهى عن الآخرة. ﴿وَزِينَةٌ﴾ من الملابس، والمراكب، والمنازل الحسنة تتزينون بها. والزينة في أصله: دأب النسوان؛ لأن المطلوب من الزينة تحسين القبيح وتكميل الناقص. ﴿وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ﴾ بالأنساب والأحساب، تتفاخرون بها كتفاخر الأقران، يفتخر بعضهم على بعض بالنسب، أو بالقوة، أو بالقدرة، أو بالعساكر. وكلها ذاهبة، كما هو شأن العرب، والتفاخر في أصله: هو دأب الأقران، ومعنى الفخر: المباهاة في الأشياء الخارجة عن الإنسان كالمال والجاه، ويعبر عن كل نفس بالفاخر، كما في "المفردات". وقرأ الجمهور (١) بتنوين ﴿تفاخر﴾، والظرف صفة له أو معمول له، وقرأ السلمي بالإضافة. ﴿وَتَكَاثُرٌ﴾؛ أي: مغالبة في الكثرة ﴿فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ﴾ وتطاول بكثرة العَدَد والعُدَد، ومباهاة بكثرتهما. لا سيما التطاول بها على الفقراء والمساكين، فإنهم كانوا يتكاثرون بأموالهم وأولادهم، ويتطاولون بذلك على الفقراء، والتكاثر في أصله: شأن الدهقان "بضم الدال وكسرها: التاجر، ورئيس الإقليم، معرب". فالحياة (٢) الدنيا غير مذمومة، وإنما المذموم من صرف هذه الحياة إلى طاعة الشيطان ومتابعة الهوى، لا إلى طاعة الله تعالى.
والمعنى: اعلموا أن شغل البال بالحياة الدنيا دائر بين هذه الأمور الخمسة، وقيل: الدنيا لعب كعب الصبيان، وزينة كزينة النسوان، وتفاخر كتفاخر الأقران، وتكاثر كتكاثر الدهقان.
قال علي بن أبي طالب لعمار بن ياسر رضي الله تعالى عنهما: لا تحزن على الدنيا، فإن الدنيا ستة أشياء: مطعوم، ومشروب، وملبوس، ومشموم، ومركوب، ومنكوح. فأكبر طعامها العسل: وهو ريقة ذبابة، وأكبر شرابها الماء، ويستوي فيه جميع الحيوان، وأكبر الملبوس الديباج: وهو نسج دودة، وأكبر المشموم المسك: وهو دم ظبية، وأكبر المركوب الفرس وعليها يقتل الرجال، وأكبر المنكوح النساء،

(١) الشوكاني.
(٢) المراح.


الصفحة التالية
Icon