وقدره، وثبت في أم الكتاب. فقال: ﴿مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ﴾ "ما" نافية. والمراد بالمصيبة هنا: النائبة. و ﴿من﴾ زائدة؛ أي: مصيبة، وذكر (١) فعلها وهو جائز التذكير والتأنيث، ومن التأنيث ﴿مَا تَسْبِقُ مِنْ أُمَّةٍ أَجَلَهَا﴾. ولفظ ﴿مُصِيبَةٍ﴾ يدل على الشر؛ لأنَّ عرفها ذلك كما مر آنفًا. قال ابن عباس: ما معناه: أنه أراد عرف المصيبة، وهو استعمالها في الشر، وخصها بالذكر؛ لأنها أهم على البشر، والمصيبة في الأرض مثل القحط، والزلزلة، وعاهة الزرع، واحتلال الأجانب الظالمين، واستيلاء الحكام الفاسقين، وفي الأنفس: الأسقام والموت. وقيل: المراد بالمصيبة (٢): الحوادث كلها من خير أو شر؛ أي: ما حدثت حادثة كائنة في الأرض كجدب وعاهات في الزروع والثمار. ﴿وَلَا فِي أَنْفُسِكُمْ﴾ أيها العباد كمرض، وآفة وموت ولد، وخوف عدو، وجوع. وقوله: ﴿إِلَّا فِي كِتَابٍ﴾ في محل نصب على الحال من مصيبة؛ أي: إلا حال كونها مكتوبة مثبتة في علم الله سبحانه، أو في اللوح المحفوظ.
وجملة قوله: ﴿مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا﴾؛ أي: من قبل أن نخلق الأنفس أو المصائب أو الأرض في محل جر، صفة لكتاب، والضمير في ﴿نَبْرَأَهَا﴾ عائد إلى المصيبة أو إلى الأنفس أو إلى الأرض أو إلى الجميع. و ﴿نَبْرَأَهَا﴾؛ أي: نخلقها، فإن البرء في اللغة: هو الخلق، والبارىء: الخالق.
وذكر (٣) ربيع بن صالح الأسلمي قال: دخلت على سعيد بن جبير حين جيء به إلى الحجاج حين أراد قتله، فبكى رجل من قومه، فقال سعيد: ما ييكيك؟ قال: ما أصابك، قال: فلا تبك قد كان في علم الله أن يكون هذا ألم تسمع قول الله تعالى: ﴿مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا﴾؟ قال في "الروضة": رؤي الحجاج في المنام بعد وفاته، فقيل: ما فعل الله بك؟ فقال: قتلني بكل قتيل قتلة. وبسعيد بن جبير سبعين قتلة. وفصل المصيبة هنا بقوله: ﴿فِي الْأَرْضِ﴾ و ﴿فِي أَنْفُسِكُمْ﴾ وأجمل في التغابن حيث قال: ﴿مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ﴾ موافقة لما قبلها. لأنه فصَّل هنا بقوله: {اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ
(٢) البحر المحيط.
(٣) روح البيان.