الأبصار، فَأَنَّبهم على ما قالوا مستهزئًا بهم، وقال لهم: هل ما ترونه بأعينكم الآن مما كنتم تنبئون به في الدنيا من العذاب حق، أو سحرتم أيضًا كما كان يفعل بكم محمد في الدنيا، أو قد غطيت أبصاركم فلا ترى شيئًا، بلى إنه لحق فلم تسحر أعينكم ولم تغط أبصاركم.
والخلاصة: هل في المرئي شك، أو في أبصاركم علل، لا واحد منهما بموجود. فالذي ترونه حق فاصلوها إلخ؛ أي: إذا لم يمكن لكم إنكارها، وتحققتم أن ذلك ليس بسحر، ولم يكن في أبصاركم خلل.. فالآن ادخلوها، وقاسوا شدائدها. فاصبروا على العذاب أو لا تصبروا، وافعلوا ما شئتم.
فالأمران ﴿سَوَاءٌ عَلَيْكُمْ﴾ في عدم النفع. قيل أيضًا: تفول لهم الملائكة هذا القول. و ﴿سَوَاءٌ﴾ خبر لمبتدأ محذوف؛ أي: الأمران سواء. ويجوز أن يكون مبتدأ؛ والخبر محذوف؛ أي: سواء عليكم الصبر وعدمه.
وفي قوله (١): ﴿فَاصْبِرُوا أَوْ لَا تَصْبِرُوا﴾ بيان لعدم الخلاص، وانتفاء لعدم المناص. فإن من لا يصبر على شيء يحاول دفعه إما بإبعاده عنه، وإما بمحقه وإزالته. ولا شيء من ذلك بحاصل يوم القيامة؛ لأنّ عذاب الآخرة ليس كعذاب الدنيا. فإن المعذب في الدنيا إن صبر انتفع بصبره. إما بالجزاء في الآخرة، وإما بالحمد في الدنيا فيقال: ما أشجعه، وما أقوى قلبه. وإن جزع ذم. وقيل فيه: يجزع كالصبيان والنسوان. وأما في الآخرة فلا مدح ولا ثواب على الصبر.
ثم علل استواء الصبر وعدمه بقوله: ﴿إِنَّمَا تُجْزَوْنَ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ﴾ في الدنيا من الخير والشر، لا الذي تعملون في الآخرة من الصبر، والخضوع، والخشوع، والتضرع؛ والدعاء. فإنه لا ينفع شيء منها. وإذا كان الجزاء واقعًا حتمًا.. كان الصبر وعدمه سواء.
والمعنى (٢): سواء عليكم الأمران: أجزعتم أم صبرتم في عدم النفع، لا بدفع العذاب، ولا بتخفيفه. إذ لا بد أن يكون الصبر حين ينفع، وذلك في الدنيا، لا غير. فمن صبر هنا على الطاعات لم يجزع هناك؛ إذ الصبر وإن كان مرًّا بصلًا لكن
(٢) روح البيان.