آخره حلو عسل.
١٧ - ولما فرغ سبحانه من ذكر حال المجرمين ذكر حال المتقين، فقال: ﴿إِنَّ الْمُتَّقِينَ﴾ عن الكفر والمعاصي ﴿فِي جَنَّاتٍ﴾ وبساتين خالدة ﴿وَنَعِيمٍ﴾ مقيم وملاذ دائمة. وهذه الجملة يجوز أن تكون مستأنفة. ويجوز أن تكون من جملة ما يقال للكفّار زيادة في غمهم وحسرتهم. والتنوين في "جنات ونعيم" إما للتفخيم؛ أي: جنات، أيُّ جنّة، ونعيم، أي نعمة بمعنى الكامل في الصفة. وإما للتنويع؛ أي: في جنات ونعيم مخصوصة بالمتقين. والجنة مع كونها أشرف المواضع قد يتوهم أن من يدخلها إنما يدخلها ليعمل فيها، ويصلحها، ويحفظها لصاحبها كما هو شأن ناطور الكرم؛ أي: مصلحه وحافظه. فلما قال: ﴿وَنَعِيمٍ﴾ أفاد أنهم فيها متنعمون كما هو شأن المتفرج بالبستان، لا كالناطور والعمال.
١٨ - حالة كونهم ﴿فَاكِهِينَ﴾؛ أي: ناعمين متلذذين ﴿بِمَا آتَاهُمْ رَبُّهُمْ﴾ وأعطاهم من إنعامه، ورضاه عنهم مما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر. وذلك أن المتنعم قد يستغرق في النعم الظاهرة، وقلبه مشغول بأمر ما. فلمَّا قال: ﴿فَاكِهِينَ﴾ تبين أن حالهم محض سرور وصفاء وتلذّذ، ولا يتناولون شيئًا من النعيم إلا تلذّذًا، لا لدفع ألم جوع أو عطش.
وقرأ الجمهور (١): ﴿فَاكِهِينَ﴾ بالألف، وبالنصب على الحال، وخبر ﴿إِنَّ﴾ ﴿فِي جَنَّاتٍ وَنَعِيمٍ﴾. وقرأ خالد ﴿فاكهون﴾ بالرفع على أنه خبر بعد خبر لـ ﴿إِنَّ﴾ عند من يجيز تعدد الخبر، أو هو خبر، و ﴿فِي جَنَّاتٍ﴾ متعلق به. وقرأ ابن عباس ﴿فكهين﴾ بغير ألف. والفكه: طيب النفس، كلما تقدم في الدخان. ويقال للأشر والبطر. ولا يناسب التفسير به هنا.
والمعنى (٢): أي إنّ الذين خافوا ربهم، وأخلصوا له العبادة في السر والعلن، وأدوا فرائضه، وتحلوا بآداب دينه، وانتهوا عن معاصيه، ولم يدنسوا أنفسهم بالمعاصي، والآثام، ولم يدسوا أرواحهم بالذنوب يجازيهم ربهم جزاء وفاقًا بجنات يتنعمون فيها، ويجدون ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر
(٢) المراغي.