الدنيا شحًا، كما في "عين المعاني". من ألت يألت كضرب يضرب. ﴿مِنْ عَمَلِهِمْ﴾؛ أي: من ثواب عملهم ﴿مِنْ شَيْءٍ﴾ من الأولى متعلقة بألتناهم، والثانية زائدة.
والمعنى: ما نقصناهم من عملهم شيئًا بأن أعطينا بعض مثوباتهم أبنائهم، فتنتقص مثوبتهم، وتنحط درجتهم. وإنما رفعناهم إلى درجتهم ومنزلتهم بمحض الفضل والإحسان.
وقرأ الجمهور (١): ﴿أَلَتْنَاهُمْ﴾ بفتح اللام، من ألات. والحسن، وابن كثير بكسرها. وابن هرمز ﴿آلتناهم﴾ بالمد، من آلت على وزن أفعل. وابن مسعود، وأبي ﴿لتناهم﴾ من لات. وهي قراءة طلحة، والأعمش. ورويت عن شبل، وابن كثير، وعن طلحة، والأعمش أيضًا ﴿لتَنْاهم﴾ بفتح اللام. قال سهل لا يجوز فتح اللام من غير ألف بحال. وأنكر أيضًا آلتناهم بالمد كما قرأ ابن هرمز. وقال: لا يروى عن أحد، ولا يدل عليها تفسير ولا عربية. وليس كما ذكر بل قد نقل أهل اللغة آلت بالمد. وقرىء ﴿وما ولتناهم﴾ ذكره ابن هارون. قال ابن خالويه: فيكون الحرف هنا من لات يليت، وولت يلت، وألت يألت، وألات يليت ويؤلت. وكلها بمعنى نقص. ويقال: ألت بمعنى غلظ. نقد قام رجل إلى عمر رضي الله عنه فوعظه فقال رجل: لا تألت أمير المؤمنين؛ أي: لا تغلظ عليه.
والمعنى (٢): أي وما أنقصنا مثوبات الآباء، وحططنا درجاتهم، بل رفعنا منزلة الأبناء تفضلًا منّا وإحسانًا.
وبعد أن أخبر عن مقام الفضل، وهو رفع درجة الذريّة إلى منزلة الآباء من غير عمل لهم.. أخبر عن مقام العدل. وهو أن لا يؤاخذ أحد بذنب أحد فقال: ﴿كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ﴾؛ أي: كل امرىء مرتهن بعمله، لا يحمل عليه ذنب غيره من الناس سواء كان أبًا أو ابنًا. وقد جعل العمل كأنه دين، والمرء كأنه رهن به. والرهن لا ينفك ما لم يؤد الدين. فإن كان العمل صالحًا.. فقد أدى الدين؛ لأنّ العمل الصالح يقبله الله سبحانه ويصعد إليه، وإن كان غير صالح فلا أداء ولا خلاص. إذ لا يصعد إليه غير الطيب. ونحو الآية قوله: {كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ (٣٨)
(٢) المراغي.