إِلَّا أَصْحَابَ الْيَمِينِ (٣٩)}؛ أي: إنّ كل نفس رهن بعملها عند الله، لا يفك رهنها إلا أصحاب اليمين. فإنهم فكوا عنه رقابهم بما أطاعوه من عملهم وكسبهم. والرهن (١): ما يوضع وثيقة للدَّين. ولما كان الرهن يتصور منه حبسه أستعير ذلك للمحتبس، أيَّ شيء كان. وقال ابن الشيخ: ﴿ما﴾ مصدرية. والفعيل بمعنى المفعول، والعمل الصالح بمنزلة الدين الثابت على المرء، من حيث أنه مطالب به. ونفس العبد مرهونة به. فكما أن المرتهن ما لم يصل إليه الدين لا ينفك منه الرهن كذلك العمل الصالح ما لم يصل إلى الله لا تتخلص نفس العبد المرهونة.
فالمعنى: كل امرىء مرهون عند الله بالعمل الصالح الذي هو دين عليه. فإن عمله، وأداه كما هو المطلوب منه فك رقبته من الركن، وإلّا أهلكها.
وفي الآية: وجه آخر، وهو أن يكون الرهين فعيلًا بمعنى فاعل. فيكون المعنى: كل امرىء بما كسب راهن دائم ثابت مقيم. إن أحسن.. ففي الجنة مؤبّدًا، وإن أساء.. ففي النار مخلَّدًا؛ لأنّ في الدنيا دوام الأعمال بدوام الأعيان. فإنّ العرَض لا يبقى إلا في جوهر، ولا يوجد إلا فيه. وفي الآخرة دوام الأعيان بدوام الأعمال. فإنّ الله يبقي أعمالهم لكونها عند الله تعالى من الباقيات الصالحات، وما عند الله باق. والباقي من الأعيان يبقى ببقاء عمله.
قال في "الإرشاد": وهذا المعنى أنسب بالمقام. فإنّ الدوام يقتضي عدم المفارقة بين المرء وعمله. ومن ضرورته أن لا ينقص من ثواب الآباء شيء. فالجملة تعليل لما قبلها، انتهى.
٢٢ - وبعد أن ذكر وجوه النعيم فيما سلف ذكر أنّه يزيدهم على ذلك حينًا فحينًا مما يشتهون من فنون النعماء، فقال: ﴿وَأَمْدَدْنَاهُمْ﴾؛ أي: زدناهم على ما كان لهم من النعيم ﴿بِفَاكِهَةٍ﴾ متنوعة كثيرة. والفاكهة: هي الثمار كلها. والتنوين فيها للتكثير؛ أي: بفاكهة لا تنقطع كلما أكلوا ثمرة عاد مكانها مثلها. ﴿وَلَحْمٍ مِمَّا يَشْتَهُونَ﴾؛ أي: من اللحوم التي يشتهونها ويستطيبونها، وإن لم يقترحوا ولم يطلبوا.
والمعنى: وزدناهم عل ما كان من مبادي التنعم وقتًا فوقتًا مما يشتهون من