التكليف من الكذب، والسبّ، والفواحش. كما هو ديدن المنادمين في الدنيا. وإنما يتكلّمون بالحِكَم وأحاسن الكلام، ويفعلون ما يفعله الكرام؛ لأنّ عقولهم ثابتة غير زائلة.
قرأ الجمهور (١): ﴿لَا لَغْوٌ فِيهَا وَلَا تَأْثِيمٌ﴾ بالرفع، والتنوين فيهما. وقرأ ابن كثير، وابن محيصن، وأبو عمرو بفتحهما من غير تنوين. ومعنى ﴿لَا لَغْوٌ فِيهَا﴾؛ أي: لا فضول من الكلام فيها. ﴿وَلَا تَأْثِيمٌ﴾؛ أي: لا سِبَابَ ولا تَخاصم فيها. وقد أخبر سبحانه في موضع آخر عن حسن منظرها، وطيب مطعمها، فقال: ﴿بَيْضَاءَ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ (٤٦)﴾، ﴿لَا فِيهَا غَوْلٌ وَلَا هُمْ عَنْهَا يُنْزَفُونَ (٤٧)﴾، وقال: ﴿لَا يُصَدَّعُونَ عَنْهَا وَلَا يُنْزِفُونَ (١٩)﴾.
٢٤ - ثم ذكر ما لهم من خدم وحشم في الجنّة، فقال: ﴿وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ﴾ أي: يدور على أهل الجنة بالكؤوس، والفواكه، والأطعمة. من الطواف. وهو المشي حول الشيء. ومنه الطائف لمن يدور حول البيت. وقال هنا، وفي الإنسان: ﴿وَيَطُوفُ﴾ بالواو. حيث قال في الإنسان: ﴿وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُخَلَّدُونَ﴾ لأنه معطوف على ما قبله. وقال في الواقعة بلا واو، حيث قال: ﴿يَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُخَلَّدُونَ (١٧) بِأَكْوَابٍ وَأَبَارِيقَ﴾. لأنّه حال أو خبر بعد خبر، انتهى "فتح الرحمن".
﴿غِلْمَانٌ لَهُمْ﴾ أي: مماليك مخصوصون بهم. ولم يضفهم (٢) بأن يقول: غلمانهم؛ لئلا يظن أنهم الذين كانوا يخدمونهم في الدنيا، فيشفق كل من خدم أحدًا في الدنيا أن يكون خادمًا له في الجنة، فيحزن لكونه لا يزال تابعًا. وأفاد التنكير أن كل من دخل الجنّة؛ وجد له خدم لم يعرفهم، كما في "حواشي سعدي المفتي".
وقوله: ﴿كَأَنَّهُمْ...﴾ إلخ، حال من ﴿غلمان﴾. لأنّهم قد وصفوا؛ أي: كأنهم في الحسن، والبياض، والصفاء ﴿لُؤْلُؤٌ مَكْنُونٌ﴾؛ أي: درّ مستور مصون في الصدف لم تمسه الأيدي. من كننت الشيء إذا سترته، وصنته من الشمس؛ لأنّه رطبا أحسن، وأصفى إذ لم تمسه الأيدي، ولم يقع عليه غبار. أو لؤلؤ مخزون؛ لأنه لا يخزن إلَّا الثمين الغالي القيمة.
(٢) روح البيان.