قيل لقتادة: هذا الخادم فكيف المخدوم؟ فقال: قال رسول الله - ﷺ -: "والذي نفسي بيده، إن فضل المخدوم على الخادم كفضل القمر لية البدر على سائر الكواكب". أخرجه ابن جرير، وابن المنذر. وعنه - ﷺ -: "إنّ أدنى أهل الجنة منزلة من ينادي الخادم من خدامه فيجيبه ألف ببابه لبّيك لبيك".
والمعنى (١): أي ويطوف عليهم بالكؤوس مماليك لهم يتصرّفون فيهم بالأمر والنهي والاستخدام، كأنهم اللؤلؤ الرطب المكنون في الأصداف في الحسن، والبهاء. ونحو الآية قوله تعالى: ﴿يَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُخَلَّدُونَ (١٧) بِأَكْوَابٍ وَأَبَارِيقَ وَكَأْسٍ مِنْ مَعِينٍ (١٨)﴾.
٢٥ - ثمّ بيّن أنهم في الجنة يتذاكر بعضهم مع بعض في أحوال الدنيا، فقال: ﴿وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ﴾؛ أي: بعض أهل الجنة ﴿عَلَى بَعْضٍ﴾ آخر، حال كونهم ﴿يَتَسَاءَلُونَ﴾ أي: يسأل كل بعض منهم بعضًا آخر عن أحواله، وأعماله، وما استحق به نيل ما عند الله سبحانه من الكرامة. وذلك تلذّذًا واعترافًا بالنعمة العظيمة على حسب الوصول إليها على ما هو عادة أهل المجلس يشرعون في التحادث ليتمَّ به اشتئناسهم. فيكون كل بعض سائلًا ومسؤولًا، لا أنه يسأل بعض عين منهم بعضًا آخر معيّنًا.
أي (٢): يسأل بعضهم بعضًا في الجنة عن حاله، وما كان فيه من تعب الدنيا وخوف العاقبة، فيحمدون الله الذي أذهب عنهم الحزن، والخوف، والهمِّ، وما كانوا فيه من الكدِّ والنكدِ بطلب المعاش، وتحصيل ما لا بدَّ منه من الرزق. وقيل: يقول بعضهم لبعض: بم صِرتم في هذه المنزلة الرفيعة؟ وقيل: إنّ التساؤل بينهم عند البعث من القبور. والأوّل أولى لدلالة السياق على أنهم قد صاروا في الجنة.
٢٦ - وجملة قوله: ﴿قَالُوا...﴾ إلخ، مستأنفة استئنافًا بيانيًا. كأنَّه قيل: ماذا قال بعضهم لبعض عند التساؤل؟ فقيل: قالوا؛ أي: المسؤولون. وهم كل واحد منهم في الحقيقة: ﴿إِنَّا كُنَّا﴾ في الدنيا ﴿قَبْلُ﴾؛ أي: قبل دخول الجنة ﴿فِي أَهْلِنَا مُشْفِقِينَ﴾؛ أي: خائفين، وجلين من عذاب الله تعالى. أو كنا خائفين من عصيان الله معتنين بطاعة الله. قيّد (٣) بقوله: ﴿فِي أَهْلِنَا﴾ فإنّ كونهم بين أهليهم مظنة الأمن. فإذا
(٢) الشوكاني.
(٣) روح البيان.