أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ}. فكان - ﷺ - عندهم بمنزلة لشاعر، حيث إنّ الشاعر إنما يستجلب بشعره في الأغلب المال، وأيضًا لمّا كانوا يعدون الشعر دناءة حملوا القرآن عليه. ومرادهم عدم الإعتداد به.
قال ابن الشيخ: قوله: ﴿أَمْ يَقُولُونَ﴾ إلخ، من باب الترقي إلى قولهم فيه: "إنه شاعر". لأنّ الشاعر أدخل في الكذب من الكاهن والمجنون. وقد قيل: أحسن الشعر أكذبه. وكانوا يقولون لا نعارضه في الحال مخافة أن يغلبنا بقوة شعره. وإنا نصبر ونتربص موته وهلاكه كما هلك من قبله من الشعراء. وحينئذٍ تتفرق أصحابه، وإن أباه مات شابًّا، ونحن نرجوا أن يكون موته كموت أبيه.
وذلك قوله تعالى: ﴿نَتَرَبَّصُ﴾؛ أي: ننتظر ﴿بِهِ﴾؛ أي: بذلك الشاعر. والجملة صفة لشاعر. ﴿رَيْبَ الْمَنُونِ﴾؛ أي: تقلبات الزمان، وحوادث الدهر، ونزول الموت. فإنه إن كان شاعرًا فصروف الزمان قد تضعف ذهنه، فيتبين كساد شعره.
وقد سبق آنفًا أنَّ ﴿أَمْ﴾ هنا بمعنى بل الإضرابية، وهمزة الاستفهام التقريري.
والمعنى: أي بل قال كفّار قريش: هو شاعر نتربّص، وننتظر به نوائب الدهر. فيهلك كما هلك غيره من الشعراء: زهير، والنابغة، وطرفة، وغيرهم. أو ننتظر به الموت كما مات أبوه شابًّا. وذلك كما تتمنى الصبيان في المكتب موت معلمهم ليتخلصوا من يده، فويل لمن أراد هلاك معلمه في الدين، وكان محرومًا من تحصيل اليقين.
روي: أنّ قريشًا اجتمعت في دار الندوة، وذهبت مذاهب شتى في صدّ دعوته - ﷺ -، ومقابلة هذا الخطر الداهم عليهم، وماذا يفعلون في الخلاص منه. فقال قائل من بني عبد الدار: تربصوا به ريب المنون. فإنّه شاعر، وسيهلك كما هلك زهير، والنابغة، والأعشى. ثم افترقوا على هذه المقالة. فنزلت الآية.
وخلاصة هذا: أنا نبتعد من إيذائه، ونتقي لسانه مخافة أن يغلبنا بقوّة شعره. وإنما سبيلنا معه أن نصبر عليه، ونتربص موته كما مات الشعراء من قبله.
٣١ - فأمره الله سبحانه أن يهددهم، ويتهكم بهم بقوله: ﴿قُلْ﴾ يا محمد جوابًا لهم ﴿تَرَبَّصُوا﴾؛ أي: انتظروا وتمهلوا في ريب المنون. وهذا أمر تهديد. ﴿فَإِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُتَرَبِّصِينَ﴾؛ أي: فإني متربص منتظر معكم قضاء الله سبحانه فيَّ وفيكم،