عما يصفون.. أردف هذا بيان أن هؤلاء قوم بلغوا حدًّا في العناد أصبحوا به يكابرون في المحسوسات فضلًا عن المعقولات، فدعهم وشأنهم حتى يأت اليوم الذين لا مرد له يوم لا تنفعهم حبائلهم وشراكهم التي كانوا ينصبون مثلها في الدنيا، ولا يجدون لهم إذ ذاك وليًّا ولا نصيرًا. وأنَّ الله سيصيبهم بعذاب من عنده في الدنيا قبل ذلك اليوم. وأنه ناصرك عليهم، وكالئك بعين رعايته. واذكر ربك حين تقوم من منامك، ومن مجلسك، وحين تغيب النجوم، ويصبح الصباح، وتغرد الأطيار مسبحة منزهة خالق السموات والأرض قائلة: سبوح قدوس رب الملائكة والروح.
التفسير وأوجه القراءة
٣٥ - ﴿أَمْ خُلِقُوا﴾ و ﴿أم﴾ هنا وفيما بعده منقطعة، تقدر ببل الإضرابية، وهمزة الاستفهام الإنكاري، كما مر؛ أي: بل أخلقوا، وأحدثوا، وقدّروا على هذه الكيفية البديعة والصنعة العجيبة.
﴿مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ﴾؛ أي (١): من غير خالق لهم، ولا مقدر، ولا محدث، ولا موجد. فـ ﴿مِنْ﴾ لابتداء الغاية. قال الزجاج؛ أي: اخلقوا باطلًا وعبثًا لغير شيء لا يحاسبون، ولا يؤمرون، ولا ينهون. وجعل ﴿مِنْ﴾ تعليلية بمعنى اللام؛ أي: أخلقوا من أجل لا شيء عليهم من عبادة ولا جزاء. وقال ابن كيسان: أخلقوا عبثًا، وتركوا سدى، لا يؤمرون، ولا ينهون. وقيل: المعنى: أم خلقوا من غير أب، ولا أم. فهم كالجماد لا يفهمون، ولا تقوم عليهم الحجة.
﴿أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ﴾ لأنفسهم. فلذلك لا يعبدون الله تعالى؛ أي: بل أيقولون هم الخالقون لأنفسهم فلا يؤمرون، ولا ينهون مع أنهم يقرون أن الله خالقهم وإذا أقروا لزمتهم الحجة.
ومعنى الآية (٢): أي كيف ينكرون الخالق الموجد، فهل هم خلقوا هذا الخلق البديع الصنع من غير خالق ولا موجد، والعقل يشهد بأن كل ما يوجد من العدم لا بد له من موجد. ﴿أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ﴾؛ أي: بل أهم أوجدوا أنفسهم، والضرورة والعقل يكذبان ذلك. إذ يلزم من هذا أن الشيء يكون مقدمًا في الوجود على نفسه.

(١) الشوكاني.
(٢) المراغي.


الصفحة التالية
Icon