وفي "فتح الرحمن": المجرم فاعل الجرائم، وهي صعاب المعاصي.
٣٣ - ﴿لِنُرْسِلَ﴾؛ أي: لننزل ﴿عَلَيْهِمْ﴾ من السماء ﴿حِجَارَةً مِنْ طِينٍ﴾ متحجّر كالآجرّ. وهو ما طبخ فصار في صلابة الحجارة، ومو السّجيل، يعني: (١) أنّ السّجيل حجارةٌ من طين طبخت بنار جهنم، مكتوب عليها أسماء القوم، ولو لم يقل: ﴿مِنْ طِينٍ﴾ لتوهّم أنّ المراد من الحجارة: البرد بقرينة إرسالها من السماء، فلمّا قيل: ﴿مِنْ طِينٍ﴾ اندفع ذلك الوهم؛ أي: لنرسل عليهم حجارة من طين بعدما قلبنا قراهم، وجعلنا عاليها سافلها.
قال السديّ ومقاتل: كانوا ست مئة ألف، فأدخل جبرائيل جناحه تحت الأرض فاقتلع قراهم - وكانت أربعة - ورفعها حتى سمع أهل السماء أصواتهم، ثم قلبها بأن جعل عاليها سافلها. ثم أرسل عليهم الحجارة فتتبعت الحجارة مسافريهم وشذاذهم؛ أي: المنفردين عن الجماعة.
٣٤ - وانتصاب (٢) ﴿مُسَوَّمَةً﴾ على كونه صفة ثانية لـ ﴿حِجَارَةً﴾، أو على الحال من الضمير المستكن في الجار والمجرور، أو من الحجارة لكونها قد وصفت بالجار والمجرور. ومعنى ﴿مُسَوَّمَةً﴾: مرسلةً من عند ربك من سوّمت الماشية؛ أي: أرسلتها لترعى لعدم الاحتياج إليها. قال سعديٌ المفتي: فيه أنّ الظاهر حينئذٍ من عند ربك بإثبات من الحجارة، انتهى. أو معلمةً بعلامات تعرف بها، من السومة وهي العلامة، قيل: كانت مخططة بسواد وبياض، وقيل: بسواد وحمرة، وقيل: معروفة بأنها حجارة العذاب. وقيل: معلّمة بسيما تتميّز بها عن حجارة الأرض. وقيل: مكتوب على كل حجر منها اسم من يرمى بها ويهلك.
وقوله: ﴿عِنْدَ رَبِّكَ﴾ ظرف لـ ﴿مُسَوَّمَةً﴾؛ أي: معلّمة عنده، أو مخزونةً عنده في خزائنه التي لا يتصرّف فيها غيره تعالى. ﴿لِلْمُسْرِفِينَ﴾؛ أي: للمجاوزين الحدَّ في الفجور؛ إذ لم يقنعوا بما أبيح لهم من النساء للحرث، بل أتوا الذكران. وعن ابن عباس رضي الله عنهما: ﴿لِلْمُسْرِفِينَ﴾؛ أي: للمشركين، فإنَّ الشرك أسرف الذنوب وأعظمها.
(٢) فتح القدير.