وفي "التأويلات النجمية": يعني: أنهم وإن يروا كل آية لا يؤمنوا بها، كما قال تعالى: ﴿وَلَوْ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَابًا مِنَ السَّمَاءِ﴾ حتى شاهدوه بالعين.. لقالوا إنما سكرت أبصارنا. وليس هذا عيانًا عن مشاهدة. وقد تقدم (١) اختلاف القراء في ﴿كِسَفًا﴾. قال الأخفش: يعني: بكسر الكاف وفتح السين جعله جمعًا.
والمعنى (٢): أي إنَّ هؤلاء قوم ديدنهم العناد، والمكابرة. فلو رأوا بعض ما سألوا من الآيات، فعاينوا كسفًا من السماء ساقطًا لكذَّبوا، وقالوا: هذا سحاب بعضه فوق بعض؛ لأنّ الله قد ختم على قلوبهم، وأعمى أبصارهم. فأصبحوا ينكرون ما تبصره الأعين، وتسمعه الآذان.
٤٥ - ثم أمر الله سبحانه رسوله لله أن يتركهم، فقال: ﴿فَذَرْهُمْ﴾، أي: فاتركهم يا محمد، وخلهم ﴿حَتَّى يُلَاقُوا﴾ ويشاهدوا ﴿يَوْمَهُمُ﴾ مفعول به، لا ظرف ﴿الَّذِي فِيهِ يُصْعَقُونَ﴾؛ أي: يموتون، ويهلكون. وهو على البناء للمفعول. من صعقته الصاعقة، أو من أصعقته أماتته، وأهلكته. قال ابن الشيخ: المقصود (٣) من الجواب عن الاقتراح المذكور: بيان أنهم مغلوبون بالحجة، مبهوتون، وأن طعنهم ذلك ليس إلا للعناد والمكابرة، حتى لو أجبناهم في جميع مقترحاتهم لم يظهر منهم إلا ما يبنى على العناد والمكابرة. فلذلك رتب عليه قوله: ﴿فَذَرْهُمْ﴾ بالفاء. وهو أمر موادعة، منسوخ بآية السيف.
والمعنى: أي فدعهم وشأنهم، ولا تكترث بهم، حتى يأتي اليوم الذي يجاوزن فيه بسيئات أعمالهم. وهو يوم بدر، قاله البقاعيّ. وهو الظاهر في الآية، لا النفخة الأولى كما قيل. إذ لا يصعق بها إلا من كان حيًّا حينئذٍ.
وقرأ الجمهور: (٤) ﴿حَتَّى يُلَاقُوا﴾. وقرأ أبو حيوة ﴿يلقوا﴾. وقرأ الجمهور ﴿يُصْعَقُون﴾ بفتح الياء بالبناء للفاعل. وقرأ ابن عامر، وعاصم على البناء للمفعول. وقرأ السلمي بضم الياء، وكسر العين من أصعق الرباعيّ.
٤٦ - وقوله: ﴿يَوْمَ لَا يُغْنِي﴾ ولا يدفع ﴿عَنْهُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا﴾ من الإغناء في رد

(١) الشوكاني.
(٢) المراغي.
(٣) روح البيان.
(٤) البحر المحيط.


الصفحة التالية
Icon